: آخر تحديث

وهم الحقيقة وحقيقة الوهم!

24
21
21

الضالعون بصناعة وهم الحقيقة وتصدير حقيقة الوهم أو "تأثير الحقيقة الوهمية" يعرفون كيف يسوقون الكذب والنفاق وترويج الإشاعات والقيل والقال منقولاً عن وكالة أنباء يقولون، فالكويت مجتمع صغير لكنه يضج بالأقاويل والتنبؤات بين الناس ونيابة عن الحكومة سياسياً واقتصادياً.

"تأثير الحقيقة الوهمية" مصطلح يلخص ممارسة فنون وأساليب الحرب النفسية عبر تكرار الإشاعة والكذب حتى يصبح أهل النفاق والأقاويل مرجعاً في تحريف الحقيقة وتشويه الواقع وجر المجتمع إلى عالم التبصير وقراءة الطالع في المستقبل السياسي والاجتماعي والاقتصادي!

عالم قراءة الطالع وضرب الودع له جماهير من إعلاميين وسياسيون وأكاديميين حتى في علم الاجتماع فهو عالم جاذب حين يكون الإعلام الرسمي في الدولة معطل أو جزء من صناعة وهم الحقيقة وتصديرها وجمهور لوكالة يقولون والتصفيق للقيل والقال!

الإنسان المتلقي في عالم الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وجمهور الواتساب سواء العالم ببواطن الأمور أو البسيط المتواضع باهتماماته ومعرفته يمكن أن يتحول لضحية التشويش ويسلم نفسه للكذب المطلق والافتراءات على المصير الحتمي لشؤون سياسية واقتصادية يفترض أن تكون محصنة من ضرب الودع.

الحقيقة الزائفة بضاعة رائجة في سوق الإشاعات والكذب ونقل المعلومة المغلوطة حتى صار لدينا من يكذب بصدق، فعملية التشويش تدفع الفرد المتلقي أو المهتم وغير المهتم بالتفاصيل الدقيقة إلى تصديق الهذيان والكذب!

الإنسان بطبيعته الاجتماعية يميل إلى البحث عن التبرير لتصرفاته وسلوكياته إلى حد البحث عما ينسجم مع حقائق زائفة والأوهام والدفاع عن الإشاعات والأقاويل التي تصل عبر رسائل واتساب ومنصات الإعلام الجديد، فالهشاشة الذهنية والثقافية تلعب دوراً في تنمية مهارات الكذب بصدق.

لدينا إعلام رسمي له ميزانية ضخمة وعضلات إعلامية في فتوتها ولكن العين على حصاد البهرجة الشكلية وسد الفراغ الإعلامي بالمحتوى المتواضع إذا كنا نجامل في تقييم المحتوى غير الهادف وتجاوز الثرثرة الإعلامية وجذب الجمهور إلى كم بصري وفوز كمي وليس نوعي!

جراء التكرار للمعلومات الزائفة وتبني القيل والقال في الجهاز الحكومي ومحيطه من متلقي متواضع ومتحيز لمصالح فردية وجماعية ضد مصالح مهنية وعامة، تصبح المعلومة المغلوطة أكثر انتشاراً ورواجاً في مجتمع صغير لا يحتمل مثل هذا الكم البصري من مهزلة الأقاويل ومهزلة فقدان مهارات القيادة الوظيفية علمياً ومهنياً.

زف ديوان الخدمة المدنية مؤخراً مهزلة جديدة بعد مهزلة البصمة الثلاثية تحت مسمى برنامج تدريبي للقياديين لمواجهة "أسئلة الصحافيين المفاجئة" وعن تعلم "الإتكيت"، وكأننا نحصد اليوم أول دفعة من الخريجين من عالم غربي متحضر وعالم عربي مستنير ثقافياً!

القائمون على ديوان الخدمة المدنية -ربما- لا يعرفون جيداً تاريخ الكويت قبل الغزو العراقي وبعد التحرير، ولا يعلمون عن جبهات قتال سياسية وثقافية وإعلامية شرسة خاضها رجالات ونساء الكويت في أحلك الظروف وأصعبها ولم يخضع هؤلاء لبرامج تدريب على الأسئلة السياسية والغزلية المفاجئة والصادمة!

شموع الاستنارة في الشعر والأدب والثقافة والسياسية واجهوا التحديات وسجلوا البطولات، فهي مهارات تكتسب ولا تشترى عبر بوابة التدريب وعلى مائدة مخملية دولية أو محلية أو في الصحراء!

اتحدث عن العقد الحالي وتحديدا منذ التحرير حين احتضنت وسائل الإعلام العالمية والعربية الدولية مناظرات وحوارات إعلامية مع نخب كويتية ولم يكن أيا منهم خريج من مدراس وبرامج تدريب ديوان الخدمة!

ديوان الخدمة لم يعالج ترهل الجهاز الوظيفي وانهيار العمل المؤسسي في القطاع العام لكنه التفت إلى "الإتكيت" وتدريب القياديين على الأسئلة الصحافية، بدلا من الاعتراف في الفشل في معالجة التعيين العشوائي والترقيات للقياديين دون معايير علمية ومهنية ومهارات ذاتية!

وزارة الإعلام، من جهتها، قصرت في حق الهوية الوطنية وفي مواجهة الشائعات والأقاويل وتأثير الحقيقة الوهمية، لكن النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية الشيخ فهد اليوسف غرد منفردا في ترجمة توجيهات صاحب السمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد حفظه الله ورعاه متحملا مسؤولية القرار والتدبير السياسي من دون الحاجة لبرامج الديوان ولا استشارة إعلامية!

تأثير الحقيقة الوهمية علينا كبير في حين تأثيرها على الحكومة ربما أكبر حجماً وكثافةً!

*إعلامي كويتي 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف