أثبتت دولة قطر من خلال تنظيمها الناجح لمونديال كأس العالم أن العرب قادرون على الظهور بصورة مشرفة تضاهي الدول الأوروبية، وأضفت شكلاً جديدًا لم يكن موجودًا في البطولات السابقة، يتمثل في التمسك بالمبادئ والقيم الإنسانية والإسلامية.
فعبر بوابة تنظيم كأس العالم، أرسلت الدوحة عدة رسائل إلى العالم أجمع. أما الرسائل السياسية، فكانت أن العرب لديهم كلمة واحدة، وقد تجلّى ذلك في عدة لقطات، منها حضور عدد من الزعماء والرؤساء العرب في حفل افتتاح البطولة، وفي مقدمتهم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، رغم انشغاله حينها بعدة قمم إقليمية وعالمية.
كما أن ظهور ولي العهد وهو يضع على كتفيه العلم القطري خلال المباراة الافتتاحية التي جمعت قطر والإكوادور، وما قابله به الأمير تميم بن حمد آل ثاني بوضع العلم السعودي على كتفيه خلال مباراة المنتخب الوطني والأرجنتين، كانت رسالة تفيد بمدى قوة اللحمة بين دول الخليج، وخاصة أن مباريات المونديال يشاهدها الملايين حول العالم.
وأما الرسالة الاقتصادية، فكانت أن العرب، ممثلين في دولة قطر، لديهم القدرة المادية على تنظيم البطولات الكبرى من خلال بنية تحتية رائدة، تعكس مدى التطور الذي وصلت إليه، لتزيل الصورة النمطية الموجودة في أذهان دول غربية.
رسالة أخرى أرسلتها قطر عبر مونديال الدوحة تتمثل في ضرورة احترام قيم ومبادئ الإسلام بالدول العربية، حيث احترمت اللجنة المنظمة للمونديال طلب قطر بعدم رفع علم المثليين، غير أن عدم احترام بعض المنتخبات لهذه القيم أثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الديمقراطية التي طالما تشدو بها الدول الغربية شعارات زائفة.
وأشير هنا إلى منتخب ألمانيا عندما خلط الرياضة بالسياسة، حيث وضع لاعبو المنتخب أيديهم على أفواههم أثناء الصورة التذكارية قبل مباراة اليابان، في تأييد لافت للمثليين. كما ضربت وزيرة الداخلية الألمانية القوانين والمبادئ، التي من المفترض أنها أول من يحترمها، عرض الحائط بوضع رمز المثليين على كتفها أثناء تواجدها في المدرجات.
كما ضربت "دوحة العرب" مثالًا يحتذى به في التنظيم الجيد للبطولة حتى الآن، من خلال شعور المشجعين بالأمان، فلم نسمع أن مشجعًا تعرض للسرقة أو المضايقات أو التنمر، بل يعيش في أمن كما يشعر به في بلده تمامًا، مما يعطي انطباعًا بأن الدول العربية والإسلامية لا تكنّ لأحد أي عداء أو كراهية.
هذه النظرة من قبل المشجعين في المونديال سيكون لها مردود إيجابي حول نظرة الغرب للإسلام والعرب، بعد عودتهم إلى بلادهم، حيث سيروون ما شاهدوه بأعينهم في قطر من تسامح وود مع الأجنبي.
فاستضافة قطر لهذا الحدث الكبير تم الاستفادة منها في إثبات أنها دولة على قدر من التحدي والإصرار، وأنها قادرة على نقل الصورة المشرفة للحضارة العربية الإسلامية إلى الدول الغربية، التي طالما رفع بعضها معاول الهدم لتشويه صورة الإسلام والمسلمين، مستغلين ظهور تنظيم "داعش" وأخواتها للإساءة للمنطقة العربية بأكملها.
وفي الختام، فإن تجربة قطر في مونديال كأس العالم أكدت المقولة المأثورة: "إذا أردت النجاح فاجعل المثابرة صديقك الحميم، والتجربة مستشارك الحكيم".
وبهذه النظرة الواقعية لمونديال قطر، الذي صنع تغييرًا رئيسيًا في الصورة النمطية عن العرب لدى الذهنية الغربية، يأتي خبر تنظيم المملكة العربية السعودية لمونديال كأس العالم 2034 ليؤكد أن الخليج يسير بإيجابية لرسم صورة مشرقة لمفهوم الحضارة الحديثة بكل ما فيها من عطاء أخلاقي وعلمي وعملي، وتعاطٍ مع المبادئ والقيم الإنسانية التي تشدد عليها النظم العالمية، وترعاها المنظمات الحقوقية، دون الإخلال بالمفهوم الإنساني الواسع، ودون الخروج عن مبادئ الشريعة الإسلامية. هذه الرسالة تؤكدها الفرحة والاستعدادات، وتنعكس سياحيًا على كل دول الخليج. والصورة النمطية السلبية السابقة عن العرب جميعًا آخذة في التلاشي بفضل هذه الجهود المتلاحقة التي بدأتها دول الخليج، ويمكن أن تستكملها دول عربية أخرى في الأيام القادمة.
كلنا ثقة واعتزاز بالنجاح بإذن الله. وحتى ذلك التاريخ، دمتم بخير.