شهدت الكويت نموذجاً حديثاً للاستجواب الدستوري للنائب مهلهل المضف يحتذى به خطاباً وتنظيماً وتحضيراً، فقد كان النائب المستجوب شجاعاً برسالته، ومحترفاً في الإداء، وملتزماً في مادة الاستجواب لرئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف.
لم يغب بيت الحكم في الكويت عن استجواب النائب مهلهل المضف وصراعاته واسقاطاته وعلاقته برئيس الوزراء الشيخ أحمد النواف والتشكيلات الوزارية، فقد كان الاستجواب مهما لاستحضار تاريخ الحكم في الكويت ومرحلة مهمة سياسياً ودستورياً.
وثق تاريخ الكويت عهد الشيخ مبارك الصباح 1896-1915 الذي كان نموذجاً للحكم الفردي، وعدم رضا شعب الكويت عليه، حيث تجلى الانفراد بالحكم خارج ما توافق واتفق عليه شعب الكويت بشأن التشاور في الحكم وشؤون الإمارة في ذلك العهد السياسي المبكر.
فقد سعى حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح إلى الزج باهل الكويت في حروب غير دفاعية كالمشاركة في حرب الشيخ خزعل، حاكم عربستان، ومنع أهل الغوص من السفر وممارسة المهنة التي اشتهروا فيها وعرفوها، وزيادة الضرائب أيضاً.
ووثق التاريخ قتل الشيخ مبارك أخوية محمد وجراح "وانتزاع السلطة منهما" وهو ما أثار استياء أهل الكويت من "بعض المثقفين والسياسيين والمواطنين"، وهو الأمر الذي مثل خروجاً صارخاً عن مبدأ التشاور بين الحاكم والشعب بشأن الحكم في الكويت.
لم يأت الحديث عن الشيخ مبارك الصباح وحكمه الفردي للإثارة الإعلامية والسياسية، بل هو استحضار تاريخي وسياسي مهم للغاية وواضح المعنى والتوقيت والهدف في وقت داخلي دقيق متزامناً مع الحديث عن ترتيب بيت الحكم في الكويت والتقيد بالدستور.
ما وثقه التاريخ عن الشيخ مبارك الصباح رسالة سياسية مهمة لقرع أجراس التذكير بين عهدين مختلفين تماماً عن عهد الحكم الفردي اثناء إمارة الكويت، وعهد الشيخ عيدالله السالم وهو عهد دولة الدستور، الكويت الحديثة.
ففي عهد الشيخ عبدالله السالم شهدت الكويت تطورا سياسياً في نظام الدولة بعد صدور الدستور والانتقال من مجلس شورى في الإمارة إلى دولة ذات نظام ديمقراطي دستوري ثابت وواضح الأركان السياسية.
السلطة في الكويت بحاجة لاستلهام العبر والدروس من التاريخ السياسي كما وثقه الدكتور خليفة الوقيان في كتابه "الثقافة في الكويت" عن طبيعة حكم مبارك الصباح، وسلطة الشعب، والوعي السياسي المبكر جداً التي ترجمتها وثيقة العام 1921.
ليس تجنياً على بيت الحكم في الكويت ولا زعماً واهماً على أسرة "الصباح" الحاكمة الحديث عن الصراع بين اجنحة الحكم، فقد بادر الكويتيون في حماية بيت الحكم والكويت تفادياً للخلاف على الحاكم في أسرة "الصباح" في مراحل تاريخية مبكرة.
يبدو أن اطرافاً شتى تجهل وأخرى ربما تتجاهل دور الشعب الكويتي في تنظيم العلاقة مع الحاكم، وترتيب بيت الحكم حتى لا يحدث خلافاً بين أسرة "الصباح" على اختيار الحاكم وذلك اثناء كويت الإمارة في العام 1921 وقبل صدور الدستور في العام 1962.
لم يكن سراً صراع بيت الحكم في الكويت ولا خلافاته ولعل ما يدور في الشارع الكويتي حالياً من قلق سياسي شديد جدير بالتذكير في الانقسام في بيت الحكم، فالجدل السياسي لا زال مستمراً ومتورماً بسبب صراع الحكم من دون الاحتكام للدستور والتعلم من التاريخ!
الثقافة في الكويت ليست ثقافة مؤسسية وثقافة مؤسسات على مستوى الدولة لذلك تتصور بعض الأطراف السياسية أن الحديث عن ترتيب بيت الحكم وصراعه يعتبر تجنياً أو اقتحاماً لشأن عائلي!
لا نبالغ بأن العلاقة بين أسرة الحكم والديمقراطية قد تبدو فاترة حتى العام 2023، فالعرفان للنظام الديمقراطي من الأزمات كالغزو العراقي في العام 1990 وأزمة الحكم في 2006، غائبة لدى البعض ومغيبة لدى البعض الأخر عن المشهد السياسي الحالي!
لدى النظام الديمقراطي الدستوري في الكويت قيمة دولية لا ننكرها، ولا ينبغي النظر إليها كواجهة سياسية شكلية، فالقيمة الأكبر والاهم في المبايعة الدستورية بين شعب الكويت واسرة الحكم والعقد السياسي والاجتماعي بينهم.
ليس المطلوب ابتكارا سياسياً ولا قرارا صعباً ومستحيلا ولا تحالفاً مع أطراف الفساد السياسي...الكويت تستحق التضحية والتفاهم والتعاون والتنازل بعيداً عن تحالفات المصالح من أجل ترجيح الحكمة على الصراع.
*إعلامي كويتي