غاب تقاسم الرأي والمسؤولية السياسية والإعلامية للحكومات العربية وكذلك عن المشهد العربي العام حتى تفوقت الغوغائية وفوضى وهيجان الخطابات الشعبوية على الواقعية ضد مصالح الدول الخاصة وليس الإقليمية والضيقة منها خاصة.
نحن بحاجة إلى اعتساف عوامل التعقيدات والتحديات العسكرية الجديدة في غزة واهدفاها السياسية ودور الخطاب السياسي والإعلامي العقلاني في مخاطبة اهل العقل والحكمة بعد أفولهما في الخطاب العربي منذ عقود.
هيجان وتشنجات في الخطاب الإعلامي لبعض الحكومات العربية ومواقف سياسية عاطفية ليست غريبة على كثير من البلدان العربية، لأنها دول ترفض أن تتعلم الدروس، وبدلا عن ذلك تستجيب لفوضى الشارع بدلا من قيادته نحو بر العقلانية والتدبير الحكيم!
حركة "حماس"، الجناح الفلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، نجحت بكل المقاييس بعمليتها العسكرية في احداث زلزال المفاجأة العسكرية لإسرائيل والتيار المتطرف دينياً وسياسياً فيها الذي يقوده "نتانياهو" وبدعم تيارات أوروبية مماثلة لا تقل تطرفا كما في فرنسا وألمانيا.
الحديث عن المستفيد من المعركة، بلا شك، أن حركة "حماس" المستفيدين أولهم، واخرهم بلا منازع ولا منافس، فقد قلبت "حماس" قواعد إعلامية غربية وسخرتها، بل اخترقتها لتفرض عناوين الاخبار عن معركة إسرائيل-حماس وليس إسرائيل- فلسطين، وهو انجاز يحسب للإخوان المسلمين في الوطن العربي!
نحن أمام معركة قد تقود إلى حرب مدمرة وقد تفتعل المواجهة المسلحة-الحماسية- في لبنان وسوريا والأردن، في حين صوت العقلاء والحكماء غائب وعلى الاغلب مغيب بسبب غياب جرأة صناعة القرار الواقعي وشجاعة قيادة الشارع وليس الانحناء وراءه!
أزمات وحروب دخلت بلدان عربية ضد الجسد الواحد وصراعات بالبيت الفلسطيني وجميعها بدون استئذان أو انذار مدني مسبق فلسطينياً على الأقل وليس عربياً، فالقضية الفلسطينية قتلها أهلها قبل غيرهم!
أزمات اختلطت فيها الحسابات العسكرية والأرباح الدينية-المتطرفة وتفوقت على التخطيط السياسي الاستراتيجي نحو السلام لنعود إلى نقطة بداية يفترض طويناها ونسيانها، فالمصالح الخاصة للدول يجب أن تحظى بالأولوية وليس مصالح جماعة الإسلام السياسي الذي يرفعون راية "الغاية تبرر الوسيلة"!
من الصعب التنبؤ في تداعيات الغضب الشعبي، فالخطاب الشعبوي تعدى مداه وسقفه وكسر القواعد الإعلامية، ولعل ما يمكن أن نخشاه، أن تتسلم حركة "حماس" قيادة ما تبقى من القضية الفلسطينية وربما يكون الثمن مضاعفاً على الفلسطينيين، حين تصبح "حماس" صاحبة القرار في الحلول السياسية قبل العسكرية مع حكومة الكيان المتطرف في اسرائيل، ولا يهمها استمرار الحرب والمعركة مع إسرائيل والعكس صحيح أيضاً!
الحروب لا تلد سلاماً ولا معارك المليشيات تحرر الأوطان، وإذا كان لابد من الحروب وخوض المعركة فليكن لنا كعرب رأيا حتى لا تدشن "حماس" وحدها قرار السلام والحرب نيابة عن الأمة العربية.
من السهل جدا صياغة الخطاب الشعبوي، فالمطلوب ليس أكثر من قراءة ما يجري بالساحة العربية ليرقص الجميع على نبض الانفعالات في الشارع، فهو خطاب غير مكلف ذهنياً...خطاب ممكن صياغته اعتمادا على القص واللزق من صوت فوضى الشوارع!
الخطابات الشعبوية لا تبني أوطاناً ولا ترسانة الأسلحة تعيد الحق المشروع...طاولة المفاوضات هي وحدها التي يمكم أن تخلق سلاماً وصوت العقل وحده الذي يمكن سماعه دولياً واقليمياً.
الفرص لا تتكرر كثيرا والندم ليس مصطلحا سياسياً، والأهم والمهم التعلم من الدروس السياسية والإعلامية وعدم تغيبها ولا اجتزاء التاريخ والاستسلام للجهل وفوضى المزايدات الشعبوية!
أقدر ضيافة جريدة "إيلاف" للمهنية الإعلامية وتعددية الرأي وصوت العقل شاكراً لأسرة "إيلاف" الصمود في وسط زحام الفوضى...اتمنى أن تكون سطوري خفيفة الوزن وكثيفة المعاني ورأيي المتواضع مقبولا عند حتى من يختلف معنا.