العالم الشرقي مليء بالنرجسية السياسية، فالأنظمة المتخلفة تبجّل القادة حتى الدكتاتور وحكم الفرد الواحد والنظام غير المدني، وتعزيز التعاسة والتقييد للحريات الشعبية، ونشر البؤس، وحظر تجول حرية التعبير والرأي على الأرض!
لا يملك الفرد في الأنظمة الفاسدة والمتحجرة والمتجبّرة خيارات سوى التنازل غير الطوعي عن الحقوق الأساسية والانكفاء السياسي والاجتماعي والعيش كالقطيع وراء تأليه الكراسي الحاكمة والبرلمانية والإعلامية من أهل الكوارث النرجسية!
تجرعنا -مرغمين وليس مخيرين- كمثقفين سموم الدكتاتورية والحكم الأحادي في الوطن الشرقي حتى بلغ الحال في ولادة نواب أمة في برلمانات أكثر فسادًا وإفساداً من كثير من الحكومات التي لا تضمر الخير للشعب ولا الصالح للوطن.
الفساد الشرقي أصبح متلونًا ومتعدد الاشكال والمصادر وهو إرث سياسي قديم. ولكن في التطور غير الجديد تلاقي نواب الشعب في التأييد المطلق لحكومات فاسدة ماليًا وسياسيًا والانقلاب ضدها بعد الفراق السياسي الحتمي بين تلك الأطراف!
تنطلق مشاريع صوتية وشكلية وتتعاظم المزايدات البرلمانية القاتلة ومنها صوت "المُشرع النشط والرقيب اليقظ" المزعوم في الكويت بعد تضرر مصالح شخصية بسبب فقدان كرسي الزعامة النيابية وليس بهدف تصحيح مسار العمل النيابي، وانما استهداف شخصي وانتقائي للحكومة ورئيسها.
الاعتلال في السلوك السياسي ظاهرة كويتية اخذت بالنمو والتطور خلال السنوات البرلمانية 2013-2020 وهي أكثر بروزًا ورسوخاً لدى طرف نيابي في مجلس 2023، وخارجه من الذين يقفون بانتظار الهجمة الشرسة مجددا على مجلس الأمة والدستور!
كان في الزمان الغابر لدينا إشكاليات سياسية واجتماعية حول الحقوق الشعبية المسلوبة، ولكنها تغيّرت حاليًا حين أصبح المسلوب بإرادة شعبية ونيابية وحكومية مشروعة نائبًا في المجلس. فكرسي الزعامة كانت هي الغاية الأنانية وليست المصلحة الوطنية كما يزعمها المسلوب.
النرجسية في القرار والسلوك السياسي كانت من الملامح المتأصلة في الحكومات، ولكنها اليوم امتدت إلى بعض نواب الأمة الذين يسعون إلى الهيمنة على القرار الحكومي والسياسات العامة على نحو يخدم تلك القلة العليلة ذهنيًا والمضطربة سياسيًا.
يلاحظ الإفراط السياسي في حب الذات والعزف على أوتار الغرام من النفس المريضة حين يتلاشى الاحساس بالغير، وتتضخم الأنا والحاجة إلى تجديد الأعجاب وتعويض الخسارة الاجتماعية والسياسية بتوجيه سهام الأدوات الدستورية إلى رئيس الحكومة وبعض أعضاء الحكومة بتجاهل عمدي للماضي المخزي والأذى الدستوري.
أصبحت النرجسية البرلمانية القاتلة ظاهرة شائعة سياسيًا في الكويت من حيث السلوك والمقاومة للواقع البرلماني والحكومي، ففرض الغايات الأنانية والمزدوجة هي الغاية وليس التوق إلى تحقيق المصلحة الوطنية والحفاظ على مصالح الشعب الحقيقة وليس الشكلية!
ليس في المفاهيم والنظريات السياسية والممارسات العملية والتاريخ السياسي الحديث ما يبرر أن يكون هناك البرلماني والسياسي والوزير الأفضل أو الأهم، فالحياة مليئة بالتغيير والتطوير والإصلاح بإرادة شعبية حقيقية حتى لو تأخرت كثيرًا وتأجلت أكثر.
النرجسية خصال موجودة في الذات البشرية وكل واحد منا يحمل بعض صفات الشخصية النرجسية، غير أن طغيان النرجسية القاتلة في العمل السياسي يُهدد المصلحة الوطنية وينذر في عدم تقدير الصالح العام، ولا التفريق بين المصلحة الوطنية والمصلحة الشخصية.
إن الإعجاب بالذات والتبجيل لها من المحيط القريب يُشكّل ثقلاً على النفس ذاتها وليس غيرها، فالتمركز حول الذات العليلة والمضطربة لن يقود إلى مراعاة وإدراك مصالح البلاد والعباد.
سال حبرٌ كثير من النصيحة والرأي السديد والقرار السياسي الحكيم بعد حلّ مجلس 2020 وفي الانتخابات النيابية الأخيرة ضد ممارسة الانتقام السياسي، ولكن من دون جدوى. فمريض الأمس البعيد هو المريض الذي يحتضر يوميًا داخل أسوار مجلس الأمة وخارجها!
*إعلامي كويتي