في حادث ارهابي جديد يشير إلى خطورة استمرار الوضع الراهن في سوريا، قتل نحو 100 شخص وأصيب أكثر من مائتين في هجوم بمسيّرات مفخخة استهدفت أكاديمية عسكرية في مدينة حمص، في جريمة اعتبرتها القوات المسلحة السورية "عملاً إجرامياً غير مسبوق". هذه الجريمة التي تم تنفيذها بمسيّرات مفخخة تعد أحد تداعيات انتشار المسيّرات في منطقة الشرق الأوسط بين الميلشيات والتنظيمات الارهابية، كما تذكر الجميع أيضاً بتداعيات ترك الملف السوري على حاله، في ظل عدم قدرة النظام على التحرك للأمام وتبني خطوات جادة لمعالجة الأزمة والخروج منها عبر حلول وتوافقات سياسية سواء مع دول الجوار أو مع القوى الإقليمية والدولية وبالأخص التي تمتلك قوات عسكرية تتمركز في الداخل السوري.
على سبيل المثال: هناك شروط تركية معلنة للانسحاب من سوريا، منها أن يكون لسوريا دستور جديد يتوافق عليه السوريون، وإجراء انتخابات برلمانية وتشكيل حكومة تعددية تعبر عن جميع أطياف الشعب السوري، فضلاً عن عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، وهي شروط صعبة التحقق في ظل الظروف الراهن، وهذه الصعوبة تنطبق على جميع الشروط وليس على بعضها دون الآخر، لأن لكل طرف رؤيته لكل شروط منها، ولاسيما في ظل استمرار التأزم في العلاقات بين دمشق وأنقرة، وقناعة الأولى بأن الثانية هي من تقف وراء دعم الارهاب في سوريا، وارتهان تحسن العلاقات بين الجانبين بانسحاب تركيا من الأراضي السورية بشكل كامل، وهو ما يعني استمرار الخلاف وبالتالي حالة التأزم.
هناك أيضاً العامل الإيراني في سوريا، حيث لا يأتي النظام السوري على ذكر الوجود العسكري الإيراني في بلاده، كما أن طهران بدورها لا تفكر مجرد التفكير في سحب قواتها من سوريا في المدى المنظور على أقل التقديرات، بل وترى أن انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا يعني تولي إيران مسؤولية إدارة الأزمة في سوريا بالتنسيق مع موسكو التي لن تنسحب من سوريا أو حتى تخفض وجودها العسكري فيها، باعتباره إحدى أوراق اللعبة المهمة في إطار الصراع المحتدم مع الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الهيمنة والنفوذ في القرن الحادي والعشرين.
معضلة سوريا التي عادت ـ رسمياً ـ إلى حاضنتها العربية انها لا تحاول الاستفادة من العودة إلى وضعها السابق، والتعاون والتنسيق مع العواصم العربية الرئيسية في البحث عن معالجات لأزمتها الداخلية، لاسيما أن معظم هذه العواصم باتت تمتلك علاقات قوية مع الأطراف ذات الصلة بما يحدث في سوريا سواء تركيا أو روسيا أو إيران أو إسرائيل، التي تمتلك خطوط اتصال وقنوات مفتوحة بشكل مباشر أو غير مباشر مع الدول العربية الرئيسية، بما فيها دول مجلس التعاون، وبالتالي فالكرة في ملعب دمشق التي لا ندرى شيئاً عن تصورها بشأن مستقبلها أو بشأن كيفية حصولها على دعم عربي يسهم في الخروج من المأزق الراهن.
لا نقول ان تدخل الدول العربية أو اقناعها بلعب دور حيوي في سوريا سيسفر عن حلول فورية للأزمة السورية، ولكنه من دون شك قد يدفع هذه الأزمة إلى طاولة الحوار الاقليمي والدولي، ويسهم في ايجاد بدائل وحلول وتسويات توضع أمام الأطراف المعنية لمناقشتها ولو عبر وسطاء. كذلك لا يبدو الحظر السياسي الغربي المفروض على النظام السوري ذا فائدة ترجي في الوقت الحالي، فلا النظام سينهار كما تعتقد الرهانات الغربية، ولن يغير كذلك سلوكه بتعديل شبكة تحالفاته الاقليمية والدولية المتمحورة حول روسيا وإيران، وبالتالي فإن كل ما يحدث ليس سوى تأجيل للبحث عن مخارج من الأزمة، وهذا التأجيل لا يعني بالتبعية سوى توليد المزيد من الأزمات الفرعية واستفحال الأزمة الرئيسية وخصوصاً ما يتعلق منها بمعاناة ملايين اللاجئين السوريين، الذين تحولوا إلى أزمة داخلية في دول مثل لبنان وحتى تركيا، التي تبحث عن حلول لوضعهم ولكنها ليست في عجلة من أمرها لأنها توائم بين أمور عدة منها قضم جزء من الأراضي السورية أو عودة نحو ملايين اللاجئين السوريين على أراضيها.
بلاشك أن عودة سوريا إلى شغل مقعدها بالجامعة العربية لا يعني بالتبعية أن العرب يمتلكون حلولاً سحرية لأزمتها، ولكنه يوفر لدمشق قنوات دعم كانت غائبة للتحرك إقليمياً ودولياً بحثاً عن حلول، وما يحدث أن دمشق لا تزال تراوح مكانها، لاسيما على الصعيد الاقتصادي، وليس هناك أي أفق لتحرك سوري محتمل باتجاه تفعيل عودتها إلى الصف العربي، ومن الصعب توقع أن تقدم دمشق على أي خطوة تقارب أخرى مع محيطها العربي، وبالمقابل يبدو من الصعب كذلك على العواصم العربية تقديم دعم اقتصادي أو استثماري لسوريا في ظل الظروف والحالة الأمنية الراهنة. الحلول في سوريا تبدو معقدة وعلينا أن نعترف أن الدعم المجاني سواء من أطراف عربية أو دولية لم يعد قائماً بأي حال من الأحوال، فالدعم يتطلب على الأقل توافر ظروف معينة تحقق الغرض من تقديمه، فقد ولى زمن الشعارات والمزايدات السياسية أو بالأصح لم يعد موجوداً حين يتعلق الأمر بالارقام والحسابات، وسوريا بحاجة إلى أموال هائلة لإعادة الإعمار واستئناف النشاط الاقتصادي، ولكن هذا لن يتحقق ما لم تتوافر شروط وظروف محددة يطمئن لها المستثمرون سواء كانوا دولاً أو شركات أو أفراد.
يبقى أن من مصلحة العرب المؤكدة عودة الأمن والاستقرار لسوريا، ولكن كيف السبيل إلى ذلك في ظل تداخل المصالح الاستراتيجية للقوى الدولية والاقليمية في سوريا وتصارعها جميعهاً على هذه المصالح، وفي ظل حالة الانقسام والتشرذم والاستقطاب الدولي الذي يتزايد يوماً بعد آخر؟