: آخر تحديث

مسلسل "عايشين معانا": حين يصبح الجن والإنس مادة للكوميديا

3
3
3

إيلاف من لندن: يطرح المسلسل السعودي عايشين معانا فكرة تبدو للوهلة الأولى أقرب إلى الرعب أو الفانتازيا، لكنه يقدّمها في قالب كوميدي خفيف، عبر حكاية عائلة من الجن تقرر الانتقال إلى الرياض في مجمع سكني على هيئة بشرية لأداء مهمة رسمية من العالم الآخر: سرقة خاتم خارق في حوزة الجار سليمان.

من هنا تبدأ المفارقة، ورغم قدرات الجن غير المحدودة، تبدو المهمة شبه مستحيلة، إذ إن الخاتم يحمي نفسه بنفسه.

الأكثر إثارة أن الجن يُخبرون بأن صاحبه تقيّ وصالح، لكنهم يُصدمون حين يجدون سليمان رجلاً عاصياً، مدمنًا، وصاحب سمعة سيئة.

إلا أن "التويست" يكشف عن جوهر الحكاية: سرّ الخاتم لا يرتبط بالمظاهر، بل بنقاء القلب.

سليمان، رغم سقطاته، يحمل قلباً نقياً، متسامحاً مع من يؤذيه، زاهداً في الدنيا، حافظاً للأمانة، وفياً حتى لو دفع حياته ثمناً.

هذه المفارقة تمنح العمل بُعداً أخلاقياً وفلسفياً: القيمة الحقيقية ليست في الصورة الظاهرة، بل في النية الخفية والعمل الصادق.

المسلسل ينجح في قلب المنظار؛ فبدلاً من أن نرى الجن من خلال البشر، نرى البشر من خلال عيون الجن.

هنا تبرز قراءة اجتماعية ساخرة: نحن، كبشر، رغم عاطفيتنا ومجاملاتنا، نبدو في نظرهم طفوليين، متسرعين في إصدار الأحكام، مغرمين بالثرثرة والغيبة والنميمة.

من الناحية التمثيلية، يلفت الانتباه أداء صقر، الذي اعتمد على الكوميديا الهادئة عبر قلة الكلام والبعد عن المبالغة، فكان حضوره مختلفاً.

أما المؤلف علاء حمزة فأظهر مقدرة خفيفة الظل أيضاً، إذ أبدع في خلق مواقف طريفة، مثل جملة: «نام وانسَ» التي يستخدمها بطل العمل كحلّ مريح لتجنّب سماع ما لا يرغب فيه، سواء من أهله أو من البشر.

كما أثبت فهد بن سالم تطوراً واضحاً عن أدواره السابقة، خصوصاً بعد نجاحه في توظيف مساحة شخصيته هنا بشكل طبيعي وتلقائي، ما أبرز نضجه الفني.

علاء حمزة نجح في أن يمسك بخيوط الحكاية حتى النهاية: كوميديا متوازنة لا تفقد حسّ الرعب، ومواقف مثيرة دون تهويل.

والمخرج مشاري المزيد بدوره قدّم رؤية بصرية متوازنة، منح الفرصة لطاقات شبابية مثل مصعب المالكي، وأحمد الكعبي، ورغد العنزي، وهو خيار يُحسب له في دعم المواهب الجديدة. غير أن حضور بعض الأسماء المعروفة كان سيضيف للعمل وزناً جماهيرياً أكبر.

في النهاية، يقدّم عايشين معانا نموذجاً مختلفاً في الدراما الخليجية: فانتازيا كوميدية تقترب من الرعب دون أن تقع في فخ التهريج أو الإفراط. المسلسل، بشكل عام، طرح موضوعاً غير نمطي، والمغامرة فيه مطلوبة في الدراما السعودية. عمل ممتع ومناسب لجميع أفراد العائلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ترفيه