: آخر تحديث
سجّل انتعاشاً وسط ضغوط خارجية 

الاقتصاد المغربي يحافظ على وتيرة نمو مرتفعة خلال الفصل الاول من 2025

5
5
5

إيلاف من الرباط : سجّل الاقتصاد المغربي نمواً ملحوظاً خلال الفصل الأول من العام الجاري (2025)، بلغ نسبة 4.8%، مقارنة بـ 3% في الفترة نفسها من العام الماضي، وذلك وفقاً لما كشفته المندوبية السامية للتخطيط (هيئة حكومية للاحصاء) في مذكرة إخبارية  أصدرتها الاثنين. 

ويأتي هذا الأداء القوي وسط سياق اقتصادي دولي يتّسم بالتقلبات الجيوسياسية، وتباطؤ النمو في أسواق الشركاء التجاريين الرئيسيين للمغرب، وفي مقدّمتها دول الاتحاد الأوروبي.
واعتبرت مندوبية التخطيط أن هذا التحسّن يرجع إلى الأداء الإيجابي للقطاعات غير الفلاحية (+4.6%) والفلاحية (+4.5%)، وهو ما يعكس مرونة الاقتصاد المغربي، رغم تأثره بعوامل خارجية، أبرزها تباطؤ التصدير وتوسّع عجز الميزان التجاري.

مساهمة سلبية للمبادلات
ورغم هذا النمو اللافت، سجّلت المبادلات الخارجية مساهمة سلبية في النمو الاقتصادي، بلغت ناقص 3,8 نقاط، نتيجة ارتفاع حجم الواردات بـ9.8% مقابل تباطؤ الصادرات التي لم تتجاوز 2.2%، بعد أن كانت عند نسبة 5.8% العام الماضي.

ويعكس هذا الخلل الهيكلي في الميزان التجاري استمرار التحديات التي تواجه الصادرات المغربية في الأسواق العالمية، سواء من حيث التنوع أو القيمة المضافة، خصوصاً في ظل المنافسة الآسيوية وتباطؤ الطلب الأوروبي على بعض المنتجات الصناعية والزراعية.

الاستهلاك والاستثمار يقودان النمو
في المقابل، شكّل الطلب الداخلي القاطرة الحقيقية للنمو، مساهماً بـ 8.5 نقطة من أصل 4.8% كنمو إجمالي، في مفارقة حسابية تُظهر أن مساهمة الصادرات لم تكن فقط ضعيفة، بل سالبة.

وسُجّل ارتفاع ملحوظ في نفقات الاستهلاك النهائي للأسر بنسبة 4.4%، كما قفز الاستثمار الإجمالي بـ17.5%، وهو ما يعكس ثقة أكبر من الفاعلين الاقتصاديين في آفاق الاقتصاد الوطني، سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص أو بالمشاريع العمومية الكبرى.

انتعاش قطاعات حيوية
وعلى المستوى القطاعي، أظهرت البيانات تحسناً في قطاعات ذات أهمية استراتيجية، أبرزها، البناء والأشغال العمومية (+6.3%)، في مؤشر على دينامية قوية في البنية التحتية والعقار. وكذلك الشأن بالنسبة للسياحة والمطاعم (+9.7%)، بفضل الانتعاش السياحي واستعادة المغرب جاذبيته كوجهة إقليمية. هذا بالإضافة إلى الصناعة التحويلية (+3.4%)، والتي تسعى الرباط إلى تحويلها إلى رافعة للنمو التصديري في أفق تقوية النسيج الصناعي وتوجيهه نحو سلاسل القيمة العالمية.
وفيما تحسّن أداء الخدمات العمومية والتعليم والصحة، سجّلت قطاعات مثل الإعلام والاتصال والنقل والتخزين تباطؤاً، ما يدعو إلى مراجعة آليات الدعم والرقمنة.

تحديات التمويل والادخار
ومع تسجيل ارتفاع الناتج الداخلي الخام بالقيمة الجارية بـ6.9%، وتباطؤ مستوى الأسعار إلى 2.1%، عرف الادخار الوطني تراجعاً إلى 26.8% من الناتج الإجمالي، مقابل قفزة في الاستثمار إلى 28.8%، وهو ما أدّى إلى حاجة تمويل بلغت 2%، تُغطّى إما من خلال الاقتراض أو عبر جذب استثمارات خارجية.

وتُعد هذه الوضعية مؤشراً مزدوجاً، فهي تعكس دينامية الاستثمار، وتُحذر، في الٱن ذاته، من ضغوط محتملة على الميزانية الخارجية إذا استمر الاعتماد على التمويل الخارجي لتغطية فجوة الادخار.

المغرب والعالم: معادلة الصمود والارتباط
رغم الأداء الداخلي القوي، يبقى الارتباط بالطلب الخارجي نقطة هشاشة رئيسية في النمو المغربي، حيث أن ضعف التصدير وتزايد التبعية للواردات يضعان الاقتصاد أمام تحديات إعادة التوازن التجاري، عبر تحفيز الإنتاج القابل للتصدير، وتعزيز التكامل الصناعي واللوجستي مع الأسواق الإفريقية.
وتسعى الرباط إلى تقوية تموقعها في سلاسل التوريد الدولية، عبر اتفاقيات شراكة استراتيجية مع الصين والولايات المتحدة، إلى جانب شراكات أوروبية في الطاقة الخضراء والسيارات، لكن تطور هذه الديناميات يظل رهيناً بقدرة المملكة على تحسين مناخ الأعمال، وتعزيز تنافسية بنياتها التحتية وخصوصا الموانئ.

ويرى مراقبون للوضع الاقتصادي المغربي أن النمو المسجل خلال الربع الأول من العام الجاري يمثل إشارة إيجابية على مرونة الاقتصاد الوطني في ظل تقلبات دولية صعبة. إلا أن الاستدامة تقتضي تقوية الجبهة الخارجية عبر رفع وتيرة الصادرات، وتوسيع قاعدة الإنتاج الموجه نحو الأسواق العالمية. إذ أن المعادلة الاقتصادية ليست فقط في تسجيل نسب نمو عالية، بل في تحقيق نمو متوازن ومندمج في السوق العالمية، قادر على امتصاص الصدمات الخارجية، وتعزيز السيادة الاقتصادية للمملكة..


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في اقتصاد