انقلاب الصحف التي يملكها قطب الاعلام روبرت مردوخ على الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أمر مألوف في مسيرة مردوخ الذي لا يتردد في التخلي عن الساسة الذين لم يعودوا يخدمون مصالحه.
"اقتل ويتلام"
كانت هذه العبارة بمثابة الرسالة السرية التي وجهها مردوخ لرؤساء التحرير لديه بفتح النار في منتصف السبعينيات على رئيس الوزراء الأسترالي حينها كوف ويتلام وفقاً لبرقية دبلوماسي أمريكي أُرسلها إلى وزارة الخارجية الأمريكية
كان زعيم حزب العمال الاسترالي ويتلام يتردد بانتظام على مزرعة مردوخ للأغنام خارج كانبيرا، وكان يحظى بتغطية ايجابية جداً في صحيفة "ذا أستراليان"، ذات الميول اليسارية.
ولكن بعد فوزه في انتخابات عام 1972 ، توقف ويتلام عن التحدث إلى مردوخ، كما يروي مايكل وولف في سيرته الذاتية المثيرة "الرجل الذي يملك الأخبار".
ومنذ ذلك الوقت تدهورت العلاقة بينهما.
ومن بين الأمور التي ساهمت في ذلك تردد حكومة ويتلام في منح تراخيص لمشروع مردوخ لاستخراج البوكسيت (وهو صخر رسوبي يحتوي على نسبة عالية نسبياً من الألمنيوم) قبل أن يخفض قيمة الدولار الأسترالي، الأمر الذي سبب خسائر لمردوخ في تعاملاته بالقطع الاجنبي.
ورداً على ذلك، شنت صحيفة ذا استراليان حملة على إدارة رئيس الوزراء تضمنت سيلاً من الأخبار شملت تلميحات إلى فضائح مالية وجنسية.
وكتب وولف، أن مردوخ بنفسه كتب مقالات يهاجم فيها ويتلام، وأخمد تمرد طاقم غرفة التحرير لديه بسبب التحول الدراماتيكي للصحيفة من اليسار إلى اليمين.
أكثر من 100 ألف يطالبون بالتحقيق في احتكار روبرت مردوخ للإعلام في أستراليا
صحف أسترالية تُسود صفحاتها الأولى احتجاجا على "تقييد حرية الصحافة"
بعد عشرة أشهر من صدور أمر "اقتل ويليام" ، أقيل رئيس الوزراء من قبل الحاكم العام لأستراليا في خضم أزمة ميزانية.
منذ أن ورث مردوخ صحيفة "أخبار أديلايد" قبل 70 عاماً، ونجاحه غير المتوقع في بناء إمبراطورية إعلامية عالمية تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، عاصرت استراليا 18 رئيس وزراء.
ويُقال إن مردوخ ساهم بالإطاحة بعدد منهم، بمن فيهم مالكولم تورنبول وكيفن رود مؤخراً .
خلال تلك المدة دخل 13 رئيس وزراء بريطاني الى مقر الحكومة في داونينغ ستريت و 10 رؤساء أمريكيين تناوبوا على البيت الابيض منذ أن بدأ إعلام مردوخ في تشكيل رأي الناخبين في المملكة المتحدة والولايات المتحدة.
لكن ملك صحيفة "صنّ" كما يوصف لا يزال مستمراً في سيرته.
راقب بريستون بادن، المدير التنفيذي السابق لقناة فوكس نيوز ورئيس مجموعة الضغط (اللوبي) التي يمكلها مردوخ، رئيسه عن كثب وهو يمارس السلطة السياسية.
"روبرت مردوخ الذي أعرفه كان رجلا مهذباً ولطيفا"، كما يقول بادن الذي كان ينظم جدول مواعيد اجتماعات بارون الإعلام في "الكابيتول هيل" أثناء قيامه ببناء مملكته التلفزيونية في منتصف التسعينيات. "لم أسمعه يرفع صوته قط".
"كما أنه يمنح ويعطي بسخاء. عندما يتصل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل بروبرت ويقول له إنه يحتاج إلى مليون دولار من أجل لجنة العمل السياسي أو ما شابه ذلك، يوافق روبرت في معظم الأحيان".
"كان الجمهوريون خصوصاً دائماً متحمسين لرؤيته لأنه بمثابة نجم من نجوم موسيقا الروك، أليس كذلك؟ أعني، شخصيته عالمية".
على الرغم من أسلوب مردوخ اللطيف اللطيف، يقال أنه يكن الاحتقار لأصحاب المناصب المنتخبين خلف تلك الابتسامة التي تظهر على وجهه الخشن.
في عام 2011 ، قال كلفن ماكينزي، محرر صحيفة صن التي يملكها مردوخ خلال العصر الذهبي لصحيفة التابلويد البريطانية ، للجنة ليفيسون (تحقيق ليفنسون، عبارة عن تحقيق قضائي عام في ثقافة وممارسات وأخلاقيات الصحافة البريطانية في أعقاب فضيحة نيوز اوف ذا وولد التي كانت مملوكة لمردوخ): "أخبرني روبرت أنه لا يوجد شيء أكثر إثارة للغثيان من غرفة مكتظة بالسياسيين". "لقد اصطفوا في طوابير مثل الأقزام السبعة الاشرار لتقبيل مؤخرته".
ربما لا يوجد دليل على القوة الهائلة التي تتمتع بها صحيفة صن أكثر من تسببها في انهيار الجنيه الإسترليني الامر الذي اجبر بريطانيا على الانسحاب الذليل من آلية سعر الصرف الأوروبية في عام 1992كما هو مفصل في كتاب بيتر تشيبينديل وكريس هوري المثير عن الصحيفة.
عندما اتصل رئيس الوزراء جون ميجور، بماكنزي لسؤاله عن خطته لتغطية الموضوع، رد المحرر: على طاولتي برميل كبير من الفضائح والمسبات وأنا على وشك سكبها كلها فوق رأسك".
في اليوم التالي، صدرت الصحف مكرسة صفحاتها الاولى للإنهيار الاقتصادي وفساد حزب المحافظين تحت عنوان: "الآن كلنا ذهبنا ضحية الحكومة".
على الرغم من أن مردوخ يقول إنه لم يطلب قط من رئيس الوزراء أي شيء، إلا أن السير جون ميجور روى قصة مختلفة.
وزعم أن عملاق "نيوز كورب" اثار غضبه خلال مأدبة عشاء في فبراير/شباط 1997 عندما طلب منه إعادة التفكير في عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي.
وقال أثناء تحقيق ليفيسون: "غالباً لا يجلس أحد أمام رئيس الوزراء ويقول: أريدك أن تغير سياستك وإن لم تفعلها فلن تدعمك مؤسستي".
وقال السير جون أنه رفض طلب مردوخ.
غيرت صحيفة "صن"، موقفها بعد شهر وتحولت إلى دعم منافس السير جون؛ توني بلير، زعيم حزب العمال البريطاني، الذي حقق نصراً ساحقاً في ذلك الربيع.
كان بلير قد سافر بالفعل في عام 1995 إلى جزيرة هايمان في كوينزلاند، أستراليا، لضمان دعم وتأييد مردوخ له.
قدم رئيس الوزراء الأسترالي بول كيتنغ بعض النصائح لبلير قبل ذلك الاجتماع.
وفقاً لمذكرات مدير مكتب بلير السابق، ألستر كامبل، قال كيتنغ لزعيم حزب العمال عن مردوخ: "إنه بذيء للغاية، والطريقة الوحيدة للتعامل معه هي التأكد من جعله يعتقد أنك ستكون فاحشاً وبذيئاً جداً مثله أيضاً".
يقول لانس برايس، مستشاراً بلير السابق، إن مردوخ كان عضواً فعلياً في الحكومة، خاصة فيما يتعلق بالقرارات الكبيرة.
وقال برايس لبي بي سي: "كان توني بلير يأخذ في الحسبان كيف يمكن أن يرد روبرت مردوخ وإعلامه على أي قرار سياسي كان يفكر فيه".
"كان أكثر اهتماما بمردوخ ورد فعله من وزير النقل أو من سيكون في منصب وزير الخارجية لشؤون البيئة"
"بهذا المعنى، شعرت أن لمردوخ كرسياً في الحكومة".
ومن هنا نتحدث عن ترامب
على الرغم من صداقتهما العلنية، إلا ان ازدراء مردوخ لزميله الملياردير في نيويورك مايكل وولف ظهر جلياً في كتب مايكل وولف حول رئاسة ترامب.
ووفقاً لكتاب وولف "نار وغضب" أنهى مردوخ ذات مرة مكالمة هاتفية مع الرئيس ترامب واصفاً إياه بكلمات بذيئة.
وتبين التحول الحاد في نبرة قطب الإعلام، الصديق السابق لترامب، جلياً بعد فشل الجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي الأسبوع الماضي.
في ليلة الثلاثاء، قطعت قناة فوكس نيوز بثها أثناء إعلان ترامب عن نيته خوض السباق الرئاسي الى البيت الأبيض.
ووصفت هيئة تحرير وول ستريت جورنال، ترامب بـ "الفاشل" وتوقعت هزيمة مؤكدة له.
وغطت صحيفة "نيويورك بوست" إعلان ترامب في ذيل الصفحة الأولى تحت عنوان "رجل فلوريدا يصدر إعلاناً".
ولم يتضح بعد ما إذا كان ذلك أشبه بأمر مرودخ لمحرريه: "اقتل ويتلام" .
النبرة العدائية هي ما يلفت النظر في هذا الاعلام خاصة إذا تذكرنا أن ترامب هو أول رئيس للولايات المتحدة تمكن مردوخ من إقامة صداقة معه.
ولكن كما يدرك ترامب بلا شك، فإن نظرة بارون الإعلام إلى العلاقات الشخصية هي أنها مجرد صفقاتكما يقول هو في كثير من الأحيان.
أو كما وصف أحد الشهود أمام لجنة ليفيسون غدر إعلام مردوخ وانقلابه على الساسة : "مجرد تجارة".