يلقى كتاب (آفاق العصر الأميركي) للدكتور جمال السويدي نظرة موضوعية وتحليلية لبنية القوة والسيادة والنفوذ في النظام العالمي، وذلك للوقوف على الأوضاع الإقليمية والعالمية بعيدًا عن الانطباعات العابرة والرؤى الشخصية، طارحًا تساؤله: هل انتهى العصر الأميركي أم لا يزال هنالك أفق لهذا العصر؟ وهل ستدفع التطورات المستقبلية الصين إلى قبول النموذج الثقافي الأميركي وقيمه؟ أم سوف يستسلم الغرب بأكمله لثقافة الصين وحضارتها؟
وهنا يجيب الدكتور السويدي على تلك التساؤلات من واقع نظرته لمفهوم توازن المصالح والقوى وتصوره لفلسفة القوة المعاصرة، والذي انتقلت فيه من القوة العسكرية إلى القوة الاقتصادية.
حيث يلاحظ الصعود السريع لبعض الدول ذات الاقتصادات القوية والمرتفعة عالمياً من دون أن يوازي هذا التصدر الاقتصادي قوة عسكرية.
وتعد ألمانيا واليابان نموذجًا واضحًا لهذا التحول، ومن جانب آخر تراجع التركيز الدولي على الأحلاف العسكرية لمصلحة التحالفات الدولية الاقتصادية، مثل: مجموعة بريكس BRICS، واتحاد دول جنوب شرق آسيا، آسيان ASEAN.
وإن كان كتاب (عندما تحكم الصين العالم: نهاية العالم الغربي وميلاد نظام عالمي جديد) يتجاوز كل هذا مؤكداً على أن الصين باتت تمتلك الآن الشروط الموضوعية لإحداث تحول تاريخي في النظام العالمي الجديد ويرى أنها انتقلت إلى صدارة النظام العالمي الجديد بحكم إنجازاتها الاقتصادية الباهرة، وامتلاكها نظرية استراتيجية متكاملة لعالم دولي متعدد الأقطاب، فمثلاً بنك جولدمان ساكس توقع أن يفوق الحجم الإجمالي لاقتصاد الصين الحجم الإجمالي لاقتصاد الولايات المتحدة الأميركية بحلول عام 2027.
وإن كان الحديث اليوم عن صعود الصين يقف مضادًا للنظرية الأميركية السائدة والتي تذهب إلى أنه ليس هنالك في العالم على المدى البعيد سوى قطب واحد وهو الولايات المتحدة الأميركية.
ويرى باحثون أنه لا يكفي أن تمتلك الصين نظرية متكاملة عن نظام عالمي متعدد الأقطاب، بل لابد من حركة دولية منظمة تعيد النظر بشكل منهجي في بنية النظام العالمي الجديد والوحدات التي يتشكل منها، ونوعية الأيديولوجيا السائدة، التي تجعل من الولايات المتحدة الأميركية الخصم والحكم في وقت واحد.
هذه الرؤية الفكرية تدعم بشكل أو بآخر وجهة النظر التي تؤكد على تربع الولايات المتحدة الأميركية على قمة النظام العالمي الجديد. يضاف إلى ذلك أن الصين ذاتها لا تزال تفكر بطريقة مغايرة لإستراتيجيات القوى العظمى فهي لا تفضل في الوقت الحالي لعب دور على الساحة العالمية، وفي أفضل الأحوال تأجيل طموحاتها الاستراتيجية، إلا أنه ينبغي عدم تجاهل تأثير صعود الصين أو تنامي دور تكتلات اقتصادية عالمية، مثل: مجموعة الثماني ومجموعة العشرين في تحديد بنية النظام العالمي الجديد.
وفي المجمل فإن هناك بعض الملامح المستقرة في النظام العالمي الجديد على الأقل من الناحية الواقعية ومنها على سبيل المثال الثقل الاقتصادي للنظام الأميركي الذي ينعكس بدوره في صيغة هيمنة سياسية على النظام العالمي الجديد، إذ إن الأموال التي تعتمد عليها التجارة والصناعة في مختلف أرجاء العالم تمر في أغلب الأحوال عبر حي مانهاتن، في نيويورك وعلى القرارات التي تتخذ في وول ستريت والتي يتردد صداها في أرجاء العالم والذي تشكل في مجملها النفوذ المهيمن على السياسات الاقتصادية في أوروبا وآسيا وأميركا الجنوبية وفي سائر أنحاء العالم.
ولكن هذا لا ينفي أن المستقبل للصين وأنها تتقدم باتجاهه بخطوات محسوبة، وينبغي ألا نتجاهل أن الصين تنظر إلى عامل الوقت بمعيار مختلف عن الغرب، وفي هذا الإطار تُحكى القصة المعروفة التي وقعت عام 1972م عندما وجه وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كسينجر سؤالًا إلى رئيس وزراء الصين الأسبق تشو إن لاي حول رؤيته للثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789م، وكان رد تشو إن لاي بقوله: (من المبكر أن نعرف ذلك)، ما يؤشر إلى أن القرن لدى الصينيين لا يعتبر وقتاً طويلاً استنادًا إلى موروث حضاري وتاريخي ضارب في القدم والعراقة فلدى الصين نحو 5000 عام من الحضارة وذاكرة عميقة، ومن ثم فهي تتمتع بالصبر والثقة بأن التاريخ يقف إلى جانبها، وهذه سمات أصيلة في العقلية الصينية، ولعل هذا يفسر ولو قليلًا ما بات يحظى به الشعار الجديد الذي أطلقه الرئيس الصيني شي جين بينغ (الحلم الصيني) من شعبية هائلة، حيث يرى باحثون صينيون أن الرئيس يراوده حلم جعل بلاده القوة المهيمنة على العالم.