: آخر تحديث
اهتمّ بأهالي منطقة "القبايل" الجبلية

ألبير كامو الصحافي الذي خاض العديد من المعارك

60
62
66

مثل جلّ كتاب عصره ومفكريه أمثال جان بول سارتر، وأندريه مالرو، وايمانويل مونييه، وسيمون دو بوفوار، وفرانسوا مورياك، أظهر ألبير كامو منذ سنوات شبابه اهتماما كبيرا بالصحافة كأداة لكشف الحقيقة، والدفاع عن الحرية والاستقلالية. لذلك لم يتردّد عندما كان في الجزائر في الانضمام إلى جريدة Alger Républicain التي كانت تصدر في العاصمة الجزائرية، والتي كان لها صدى كبير في فرنسا، وفي بلدان المغرب العربي.

وفي تحقيقاته، اهتمّ كامو بأهالي منطقة "القبايل" الجبلية، مُدينا بشدة المظالم المسلطة عليهم من قبل السلطات الاستعمارية.

وخلال الحرب الكونية الثانية، انضمّ إلى أسرة تحرير جريدة Combat (المعركة) السرية المساندة لحركة المقاومة الفرنسية. وظلّ يكتب في هذه الجريدة إلى سنة1947.

وفي الخمسينات من القرن الماضي، وجد ألبير كامو نفسه مُرغمًا على خوض العديد من المعارك خصوصا بعد اشتداد الخلافات بينه وبين صديق اللدود جان بول سارتر. فبعد صدور كتابه: "الرجل المتمرد"، شنت عليه مجلة "الأزمنة الحديثة" التي كان يرأس تحريرها جان بول سارتر هجومات عنيفة واصفة إيّاه بـ"الجبان"، و"المسالم الغبي". أما سيلين الذي كان آنذاك في السجن في الدانمارك بتهمة التعاون مع النازية فقد وصفه بـ"الثور الهائج".

وقد ازدادت التهجمات حدة بعد أن رفض كامو الانخراط في صف المثقفين والكتاب والمفكرين المناهضين لفرنسا في حربها ضد حركة المقاومة الجزائرية. وهكذا وجد نفسه معزولا ومقصيّا من المنابر الكبيرة التي يحتاج إليها للدفاع عن نفسه وعن أفكاره ومواقفه. لذلك انضمّ إلى مجلة L’expresse الأسبوعية ذات التوجه اليميني المعتدل. وقد استقبلته أسرة تحرير هذه المجلة بترحاب كبير لأنه كان قد أصبح يتمتع في تلك الفترة بشهرة كبيرة، لا في فرنسا فقط، وإنما في جميع البلدان الأوروبية.

وأول مقال أسبوعي نشر له كان في الرابع من شهر مايو-أيار1955. أما المقال الأخير فكان بتاريخ الثاني من شهر فبراير -شباط 1956. وكان يحرص على كتابة مقالاته الأسبوعية في مقر الجريدة، ثم يسلمها إلى صديقه الصحفي والكاتب جان دانيال المولود مثله في الجزائر ليسمع رأيه فيها. وفي مجمل هذه المقالات، تطرّق ألبير كامو إلى دور المثقف في المجتمع، وهو موضوع أثير إلى نفسه منذ سنوات الشباب. ففي "مهنة الانسان"، كتب يقول:" أعرف أني لم أكن أبدا سعيدا، ولا هادئًا إلاّ عندما أؤدي عملا جديرا بالاحترام، بين أناس أحبهم".

وكان الفن بالنسبة إليه وسيلة لإثارة مشاعر وأحاسيس لدى أكبر عدد ممكن من الناس، مُهديا إياهم صورا من أفراحهم وأتراحهم. لذلك تكون عزلة المثقف ظرفية، أي عندما يكون منشغلا بكتابة عمل من أعماله.

وفي أحد مقالاته، أظهر ألبير كامو تعاطفه مع الاشتراكي بيار مانداس فرانس، رئيس الحكومة آنذاك، معتبرا إياه قادرا على انجاز إصلاحات تنتظرها منه الجمهورية الرابعة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. كما أنه يرى أنه قادر على التخفيف من حدة الحرب الجزائرية التي كانت تشغل الجميع في ذلك الوقت.

في نفس الوقت اهتم صاحب "الرجل المتمرد" بمشاكل العمال في المصانع الكبيرة، مطالبا الحكومة الاشتراكية بوجوب تلبيه مطالبهم المشروعة، وتحسين أوضاعهم. وناهض ألبير كامو في البعض من مقالاته انضمام اسبانيا الفرانكية (نسبة إلى الجنرال فرانكو) إلى اليونسكو، منددا بموقف فرنسا المساند لذلك الانضمام.

وفي واحد من تلك المقالات، كتب يقول: "من يجرؤ على القول بأنني حر في حين أن صديقًا لي هو الأكثر شهامة وكبرياء لا يزال يقبع في السجن؟".

وانشغل كامو في الكثير من مقالاته بالقضية الجزائرية مشيرا إلى أن الحرب هي نتيجة لتراكم سياسات خاطئة وغير إنسانية من جانب السلطات الفرنسية.

أما المقال الأخير فقد خصصه ألبير كامو لموتزارت بمناسبة مرور مائي عام على ميلاده. وفي ذلك كتب يقول :"ولماذا موتزارت وسط هذا التاريخ الأشد جنونا والحاحًا؟ موتزارت أمام جزائر الكراهية، وفرنسا المستقيلة؟ نعم موتزارت أمام كل هذا لأنه حين يلتوي العالم حول نفسه، وحين تهتز أسسُ حضارة ما، فإنه يجدر بنا أن نعود إلى ما لا ينحني في التاريخ، وإنما عكس ذلك، هو يعيد الاعتبار للشجاعة، ويجمع بين المنفصلين عن بعضهم البعض، ويقيم السلام والهدوء من دون رضوض أو جراح"


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات