إيلاف من بيروت: يُعد عيد الفصح (Easter) واحدًا من أكثر المناسبات قداسة في التقاليد المسيحية، إذ يُخلّد، بحسب المعتقدات الإنجيلية، قيامة السيد المسيح في اليوم الثالث بعد صلبه. وتُختتم به "الأسبوع المقدس"، الذي يبدأ بـ"أحد الشعانين" وينتهي بـ"السبت المقدس"، ليُحتفل بالفصح في اليوم التالي، أي الأحد.
لكن السؤال الذي لا يزال مطروحًا لدى كثيرين، حتى ممن ينتمون إلى الثقافة المسيحية، هو: لماذا يُحتفل بالفصح دائمًا يوم الأحد؟ ولماذا يتغيّر تاريخه سنويًا؟
التحديد القمري والارتباط بالاعتدال الربيعي
الموعد الرسمي لعيد الفصح، وفق ما استقر عليه التقليد الكنسي، هو:
"الأحد الأول بعد البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي مباشرة".
وبما أن البدر والاعتدال يتبعان التقويم القمري، فإن موعد العيد يختلف سنويًا، ويقع بين 22 آذار (مارس) و25 نيسان (أبريل). في عام 2025، يصادف العيد يوم الأحد 20 نيسان (أبريل).
ورغم هذا التحديد الفلكي، إلا أن ثبات يوم العيد على "الأحد" لم يكن أمرًا بديهيًا في بدايات المسيحية، بل نتيجة جدل طويل بين الطوائف المسيحية الأولى، كما يوضح الدكتور ماثيو إيستر، أستاذ الدراسات الإنجيلية بجامعة "ميسوري بابتيست" في الولايات المتحدة.
من آسيا الصغرى إلى روما: خلاف على توقيت العيد
في المراحل الأولى من المسيحية، وتحديدًا في منطقة آسيا الصغرى (تركيا الحالية)، كان بعض المسيحيين يحتفلون بالفصح في اليوم الموافق لعيد الفصح اليهودي (Pesach)، والذي يقع في 14 نيسان (أبريل) من التقويم العبري. ولم يكن الاحتفال بالضرورة يوم أحد.
لكن هذا التوجه قوبل بمعارضة من كنيسة روما، التي رأت أن عيد الفصح يجب أن يتزامن دائمًا مع اليوم الذي ذُكر فيه قيام المسيح في الأناجيل، أي "اليوم الأول من الأسبوع" – الأحد.
وفي عام 190 ميلادية، أصدر الأسقف فيكتور أسقف روما مرسومًا يقضي بأن يُحتفل بعيد الفصح يوم الأحد فقط، وهدّد بإقصاء الطوائف التي تحتفل به في غير ذلك اليوم. ورغم تراجعه لاحقًا عن التهديد، إلا أن هذا التوجه لاقى دعمًا إمبراطوريًا بعد عقود قليلة.
مجمع نيقية 325م: حين تدخّل الإمبراطور في موعد العيد
في عام 325 ميلادية، دعا الإمبراطور الروماني قسطنطين الأول إلى انعقاد مجمع نيقية، الذي يُعتبر أحد أبرز المحطات في تاريخ الكنيسة. من بين قرارات المجمع، تم تثبيت قاعدة الاحتفال بعيد الفصح:
"في الأحد الأول بعد البدر الذي يلي الاعتدال الربيعي"
وقد أُقرت هذه القاعدة لتوحيد الاحتفال بين الكنائس، وفصل العيد المسيحي عن التقويم اليهودي بشكل نهائي.
البعد اللاهوتي: قيامة في بداية الأسبوع
الجانب الأكثر ثباتًا في كل هذا السجال، هو البعد اللاهوتي الذي يُضفي على "الأحد" طابعًا رمزيًا. ففي الروايات الإنجيلية، قام المسيح من الموت في "اليوم الأول من الأسبوع"، أي الأحد، بعد صلبه يوم الجمعة. وبالتالي، بات الأحد ليس فقط يوم قيامة، بل بداية جديدة، وارتبط بفكرة الخلق الثاني والخلاص.
بين الفلك والتقليد والسلطة
ما يبدو اليوم تقليدًا راسخًا، هو في الحقيقة نتاج تفاعل معقّد بين النصوص المقدسة والتقويم القمري اليهودي وسلطة الكنيسة المبكرة وتدخل الدولة الرومانية. فـ"أحد الفصح" لم يكن مسألة زمنية فحسب، بل خيارًا لاهوتيًا وسياسيًا معًا، يمثّل أولى محاولات الكنيسة لتوحيد ممارساتها الطقسية على مستوى العالم المسيحي.
* أعدت إيلاف التقرير عن مجلة "تايم": المصدر