: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

ثلاثة أصفار... لعالم خال من الفقر والبطالة والتلوث

440
509
455

يبدو النظام الاقتصادي العالمي الحالي المتمثل في الرأسمالية عاجزًا عن تحقيق التكافؤ والأمن الاجتماعيين، لذا لا بد من سلوك نهج اقتصادي آخر بديل يعتمد التوزيع المتساوي للثروات وتاليًا تقليص الهوة الهائلة بين المعدمين والمتخمين.

إيلاف: يعتقد محمد يونس أستاذ الاقتصاد الحائز جائزة نوبل للسلام في عام 2006 أن عالمنا الحالي يعيش أزمات لا حصر لها تضطرنا إلى إعادة التفكير في النظام الاقتصادي القائم اليوم، ويعني به الرأسمالية، وإيجاد بديل يحقق حياة مستدامة لأطفالنا وللأجيال المقبلة يركز على تطويع جميع الموارد البشرية والطبيعية لتلبية احتياجات الناس وخلق واقع أفضل وحياة أكثر يسرًا لهم جميعًا بدلًا من واقع حالي يتسم بقيام نفر قليل بجمع ثروات هائلة، فيما الغالبية الغالبة تعاني من ضيق الحال وقصر اليد، ولا تجد أحيانًا ما تقتات عليه في حياتها اليومية.

مشروع لتغيير النظام الاقتصادي القائم 

من المؤكد أن مثل هذه الأفكار ليست وليدة اليوم، ولم يأت محمد يونس بجديد فيها، لكن ما يطرحه هنا هو طريقة بسيطة يمكن من خلالها تحقيق هذا الهدف-الحلم، وبلوغ أهداف لخَّصها بثلاثة أصفار، وهي: صفر لنسبة الفقر في العالم، وصفر للبطالة، ثم صفر آخر لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون.

مشاكل متراكمة
كثيرة هي المشاكل التي تعاني منها البشرية التي يقارب تعدادها ثمانية مليارات نسمة حاليًا. فنحن نواجه أزمات عديدة، منها المالية، ومنها ما يتعلق بالطاقة، ومنها البيئية ومنها ما يتعلق بشحة الغذاء وانتشار المجاعات، ناهيك عن الصراعات العسكرية التي تنشب هنا وهناك، وتعرّض حياة الملايين إلى الخطر وملايين أخرى إلى التشرد والترحيل بسبب انعدام الاستقرار السياسي، ثم الكوارث الطبيعية، التي أصبحت تتكرر بشكل غير مسبوق، لاسيما في العقود الأخيرة. ولا ننسى هنا الدعوات التي يطلقها قادة شعبويون لإقامة جدران تفصل بلدانهم عن جيرانهم .. إلخ.

ويعتقد محمد يونس أن كل هذه الأزمات والكوارث تجعل من الضروري العمل على إيجاد حلول حقيقية تنقذ البشرية من مستقبل مظلم.

أربعة عقود
ما يعطي أهمية لما يقترحه محمد يونس هو أنه حاز جائزة نوبل للسلام في عام 2006 لأنه حقق ثورة في عالم الاقتصاد في إطار مكافحة الفقر عندما أنشأ بنك "غرامين"، وبدأ بتطبيق برنامج يمنح الفقراء قروضًا متناهية الصغر، لا سيما النساء، لبدء مشاريع اقتصادية بسيطة للغاية، ولكنها مدرّة لدخل بسيط، يمكن أن تعتاش عليه أسرة كاملة. مبلغ القرض أربعون دولارًا فقط، وكان أول بلد طبّق فيه هذا البرنامج هو بلده الأم بنغلاديش، ثم ما لبثت الفكرة بعد نجاحها أن انتشرت في مناطق أخرى من العالم، واستفاد منها 300 مليون فقير حتى الآن.

كان محمد يونس قد بدأ هذا المشروع في عام 1976، أي قبل أربعين عامًا، ليصف المراقبون عمله بكونه ثورة حقيقية في عالم المال والاقتصاد.

ويبدو أن يونس يريد اليوم إطلاق ثورة جديدة، بعدما أثبت النظام الرأسمالي فشله في حل مشاكل الكرة الأرضية، حيث تتركز الثروة بيد نفر قليل، لا تتجاوز نسبته واحد بالمائة من سكان العالم، ويقوم بمراكمة مكاسب وأرباح لا تنفك تتزايد وتتضاعف، فيما تعاني الغالبية العظمى من الناس من فقر وعوز وإملاق.

قد يظن القارئ أن المشكلة تتعلق ببلدان العالم الثالث الفقيرة، ولكن الأمر ليس كذلك تمامًا، إذ يقتبس يونس في كتابه الجديد جملة من زميل اقتصادي، هو آنغوس ديتون، الذي كتب يقول: "لو كان عليك الاختيار بين أن تعيش في قرية فقيرة في الهند أو في حوض المسيسيبي أو في مقطورة في إحدى ضواحي ميلووكي، فلا أدري أي من هؤلاء يعيش حياة أفضل".

ذكاء الأغنياء
عنوان كتاب محمد يونس الجديد هو "عالم بثلاثة أصفار"، وهو يشرح فيه فكرته عن كيفية القضاء على اللامساواة واللاتكافؤ بين الأفراد، وردم الهوة بين الفقراء والأغنياء. هو لا يصف الفئة الأخيرة بكونها من السرّاق أو اللصوص أو المنتفعين، بل يعتبرها الفئة التي عرفت كيف تلعب بذكاء لعبة النقود الوحيدة الموجودة حاليًا في الكرة الأرضية، ويعني بذلك لعبة الرأسمالية.

نعرف جميعًا أن العيش والعمل في ظل نظام رأسمالي ليس بالأمر السهل على الإطلاق، إذ أظهرت إحصاءات أن 70 بالمائة من العاملين والموظفين يكرهون وظائفهم، رغم أن الأجر الذي يكسبونه ينتهي بوضع طعام على موائدهم. لكن المشكلة لا تتعلق بالأجور وبالمكاسب قدر تعلقها ببيئة العمل وأسلوب الحياة، حيث التنافس على أشده، حتى بين صغار الموظفين، وحيث على الجميع الخضوع لمعايير أخرى لا علاقة لها برغباتهم الحقيقية.

يقول البعض إن الفرضية التي تقوم عليها الفكرة الرأسمالية غير صحيحة، وهي أن الحافز الرئيس لدى الإنسان هو تحقيق مكاسب شخصية. هنا يتحدث يونس عمّا يدعوه بـ"أشخاص حقيقيين"، ثم يشرح بأن هؤلاء يمثلون الطبيعة الحقيقية للإنسان، أي إنه كائن اجتماعي يفضل العيش ضمن مجموعة بدلًا من الإنفراد والعيش في عزلة. 

ما يريد يونس تحقيقه هو تحفيز هذا الجانب لدى الأفراد كي ينتجوا نظامًا اقتصاديًا قادرًا على تحقيق الطابع الإنساني، مع الحفاظ على الجانب الربحي، الذي من المفترض أن يشمل جميع البشر. وما يقترحه يونس في الحقيقة هو الإيثار، وليس الإثراء، أي أن يتولى قيادة الاقتصاد والمشاريع والمؤسسات المالية أشخاص يبتعدون عن الأنانية، ويفكرون في المجتمع وفي حل مشاكله، وهو ما يمكن أن يغيّر العالم تمامًا، حسب رأيه.
 
الشباب
يعتقد يونس أن تمركز الثروة لدى فئة جد قليلة من البشر ليس قدرًا لا يمكن تغييره أو إأنه ارتبط بالبشرية منذ نشوئها، بل هو من صنع الإنسان، وبالتالي بقدرة الإنسان أن يغيّر ما يشاء، وأن يخلق نظامًا جديدًا لا ينسف الرأسمالية تمامًا، بل يحورها ويطورها كي تخلق ثروة، لا من أجل تحقيق مكاسب تتراكم لدى أفراد قليلين، بل من أجل تحريك اقتصاد العالم كله، وتشغيل الشباب وحل المشاكل بدلًا من خلقها.

أما أهم فئة وجّه إليها يونس دعوته هذه، فهي فئة الشباب، الفئة الوحيدة القادرة في رأيه على إنقاذ العالم وعلى تغييره وعلى خلق نسبة نمو عالية وتحقيق تنمية مستدامة، لا تقتصر على عدد قليل من الناس، بل تطرق أبواب البشر جميعًا.

إلى جانب الشباب والفطرة الاجتماعية لدى الإنسان، يطرح يونس متطلبين آخرين يحتاجهما العالم، لإنجاح هذا المشروع، وهما استخدام المستجدات التكنولوجية، وضمان حكم رشيد.

يرى يونس أن الأغنياء يستغلون جميع المستجدات التكنولوجية لإنتاج الثروة وتوسيعها لدى الفئة المنتجة، فيما يدعو هو إلى استخدامها لتحقيق متطلبات المجتمع وتلبية احتياجات البشر بشكل عام ومكافحة الفقر والبطالة وتدهور البيئة.. إلخ، وبالتالي ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء بدلًا من توسيعها وإلغاء أشكال التمييز المختلفة بين الفئتين. 

بالنسبة إلى اللحكم الرشيد فيعني تعزيز حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية وتحقيق المساواة بين الجنسين وفرض الشفافية وتنفيذ المساءلة القانونية.
 
  أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلًا عن موقع «ذي وان إي». المادة الأصلية منشورة على الرابط:
https://the1a.org/shows/2017-10-17/the-father-of-microfinance-has-a-plan-to-fix-capitalism


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات