: آخر تحديث

سقوط استراتيجية اللا حرب واللا سلم

2
2
2

لم يعد الحديث عن أزمة النظام الإيراني مجرد تكهنات من المعارضة أو تحليلات غربية، بل تحول إلى اعترافات صريحة تتردد أصداؤها داخل أروقة النظام نفسه. في مشهد غير مسبوق، تظهر التصدعات العميقة في هيكل "الولي الفقيه" من خلال تضارب التصريحات بين كبار المسؤولين. فبينما يحاول علي خامنئي عبثاً تصوير الوضع على أنه "تحت السيطرة"، تأتي اعترافات الرئيس السابق حسن روحاني لتكشف عن واقع مرير: النظام لم يفقد فقط بوصلته الاستراتيجية في المنطقة، بل فقد أهم ركائزه، ألا وهي "الأمن".

اعترافات من قلب النظام: نهاية وهم الاستقرار
في لقاء حديث مع أعضاء حكومته السابقة، أطلق حسن روحاني تصريحات صادمة تعتبر بمثابة جرس إنذار للنظام. فبدلاً من التباهي المعتاد، أقرّ روحاني بوضوح لا لبس فيه بأن الشعور بالأمن لم يعد موجوداً في البلاد. ولم يقف عند الأمن المادي فحسب، بل تحدث عن انعدام الأمن الروحي والفكري والذهني.

في الأنظمة الشمولية، يُعتبر الأمن هو العملة الوحيدة التي يتاجر بها النظام لضمان بقائه. وحين يعترف مسؤول بوزن روحاني بتبخر هذا الأمن، فهذا يعني أن الأزمة تجاوزت الحلول الترقيعية ووصلت إلى العظم. إن إشارته إلى الأضرار التي لحقت بالنظام خلال حرب الـ 12 يوماً تفضح زيف الدعاية التي تتحدث عن انتصارات وهمية، وتؤكد أن النظام هش أكثر مما يبدو.

التخبط الاستراتيجي: بين المطرقة والسندان
لسنوات طويلة، روّج علي خامنئي لسياسة لا حرب ولا سلم كاستراتيجية للنجاة. لكن اليوم، تحولت هذه السياسة إلى فخ قاتل. النظام الإيراني يجد نفسه عاجزاً عن خوض حرب شاملة ستقضي عليه حتماً، وعاجزاً في الوقت نفسه عن الجنوح لسلام حقيقي يتطلب تنازلات لا يستطيع تقديمها دون أن يفقد هيبته وسيطرته.

اعتراف روحاني بأن لم يتم إنجاز الكثير في إدارة هذا الوضع المعقد يؤكد حالة الشلل الاستراتيجي. النظام في حالة جمود؛ لا هو قادر على التقدم نحو المواجهة، ولا هو قادر على التراجع نحو المفاوضات، مما يتركه معلقاً في فراغ سياسي وأمني قاتل.

انفصام الواقع: بين عسكرة الخطاب والانهيار المجتمعي
في مقابل هذه الاعترافات السوداوية، يخرج قادة الحرس الثوري والجيش، مثل اللواء أمير حاتمي، بخطابات نارية تتحدث عن الرد الحاسم وتلازم أمن المنطقة بأمن الداخل. هذه التصريحات لا تعكس قوة، بل تعكس انفصاماً تاماً عن الواقع.

كيف يمكن لنظام أن يهدد الخارج بينما يعترف قادته السياسيون بأن الجبهة الداخلية مفككة وأن المواطن لا يشعر بالأمن حتى في تفكيره؟ هذا التناقض الصارخ بين الخطاب العسكري الهجومي والواقع الداخلي المنهار يشير إلى أن النظام يحاول الهروب إلى الأمام، مستخدماً التصعيد الخارجي كغطاء للفشل الداخلي.

الخلاصة: أزمة وجودية لا حل لها
إنَّ ما يمر به نظام ولاية الفقيه اليوم ليس مجرد أزمة سياسية عابرة، بل هو أزمة وجودية متعددة الطبقات. عندما يجتمع الفشل الاقتصادي مع العزلة الدولية وفقدان الأمن الداخلي وتضارب الرؤى في أعلى هرم السلطة، فإن النتيجة الحتمية هي السقوط. سياسة اللا حرب واللا سلم لم تعد تجدي نفعاً، وما تبقى للنظام ليس سوى انتظار لحظة الانهيار تحت وطأة تناقضاته الداخلية التي لم يعد بالإمكان إخفاؤها. ولكن الحقيقة هي أن هذا النظام لن ينهار من تلقاء نفسه، كما أنه لا يسقط عبر حرب خارجية، بل إن سقوطه لن يتحقق إلا من خلال انتفاضة شعبية ومقاومة منظمة، ويبدو أن متطلبات هذا المسار قد تهيأت فعلاً خلال السنوات الماضية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.