: آخر تحديث
دروس من سوريا والانتفاضة الإيرانية:

انهيار العمق الاستراتيجي لنظام ولاية الفقيه

1
2
2

خلال العقدين الماضيين، اعتمد نظام ولاية الفقيه بقيادة خامنئي على استراتيجية تصدير الإرهاب والحروب بالوكالة لضمان بقائه وإخضاع شعوب المنطقة. لكن العام الماضي شهد نقطة تحول حاسمة: انهيار العمق الاستراتيجي للنظام بعد فشل سياساته في سوريا، لبنان، العراق، واليمن، مع تزامن تصاعد الانتفاضة الإيرانية الشاملة عام 2022. هذا الوضع كشف هشاشة النظام أمام غضب الشعوب الداخلية، بالرغم من ما كان يملكه من أدوات قوة عسكرية وسياسية.

تتزامن هذه التطورات مع تنظيم تظاهرات كبيرة في نيويورك خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث رفع الإيرانيون شعاراتهم ضد القمع النووي والسياسي، مطالبين بتغيير النظام ودعم المقاومة الإيرانية.

انهيار أدوات الحماية الإقليمية
كانت سوريا، لبنان، العراق واليمن تمثل ما سماه خامنئي "عمقه الاستراتيجي"، حيث اعتمد النظام على حلفائه من الوكلاء كدرع واقٍ وأداة للابتزاز الإقليمي. لكن سقوط بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024 وضع النظام أمام ضربة استراتيجية لا يمكن تعويضها، إذ انهار الجيش السوري وفر القادة إلى الخارج، وفقدت إيران قدرة التحكم في سوريا، كما تضاءل تأثير حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، والحوثيون في اليمن.

الحدث أعاد التأكيد على أن الاعتماد على القوة بالوكالة ليس استراتيجية دائمة، وأن الشعب يظل العنصر الحاسم في تغيير المعادلات. وقد تجلى هذا التغير في سلسلة الاحتجاجات والإضرابات والمظاهرات التي نظمها الإيرانيون في الداخل والخارج، بما في ذلك تظاهرات نيويورك، التي أكدت دعم المجتمع الدولي للحق المشروع للشعب الإيراني في المقاومة وتغيير النظام.

الاستراتيجية الداخلية مقابل الهزائم الخارجية
تُظهر الأحداث الأخيرة أن استمرار النظام في سياسات القمع الداخلي والتدخل الخارجي قد أصبح غير مستدام. فقد أدى الإنفاق العسكري الباهظ في الخارج، بما في ذلك دعم الأسد وحلفائه، إلى استنزاف الموارد الاقتصادية والاجتماعية، بينما تزايدت الانتفاضات الداخلية وازدادت الاحتجاجات ضد الفقر والفساد والقمع.

السؤال المحوري الذي يطرحه المحللون الآن هو: كيف يمكن للنظام أن يواجه هذه الهزائم المتلاحقة؟ الإجابة الواضحة تكمن في أن أي استراتيجية مستقبلية يجب أن ترتكز على الشعب نفسه، وإلا فإن الانهيار سيكون أسرع وأوسع.

دروس سوريا: سقوط حليف استراتيجي
أثبتت تجربة سوريا أن حتى أقوى الحلفاء لا يضمنون بقاء النظام إذا فقد السيطرة على الرأي الشعبي والميدان المحلي. فقد أدى سقوط الأسد إلى كشف هشاشة نظام ولاية الفقيه، وعكست مشاهد تمزيق صور الأسد وسليماني وحسن نصر الله على أيدي الشعب السوري مستوى الاحتقان والكراهية التي يشعر بها الشعوب ضد النظام الإيراني.

كما أبرزت هذه الأحداث هشاشة مفهوم "العمق الاستراتيجي" الذي تبناه النظام لعقود، وأظهرت أن الحروب بالوكالة لا تعوض عن فقدان الشرعية الداخلية ولا تمنع الانتفاضات الشعبية.

الانتفاضة الإيرانية والدعم الدولي: تظاهرات نيويورك وبروكسل
تجسدت قوة الشعب الإيراني في سلسلة من التظاهرات العالمية التي أظهرت التضامن مع نضال الإيرانيين ضد القمع الديني والاستبداد.
أبرز هذه الفعاليات كانت التظاهرة الكبرى التي عُقدت يوم 6 أيلول (سبتمبر) 2025 في بروكسل، عاصمة السياسة الأوروبية، حيث احتشد عشرات الآلاف من الإيرانيين من أنصار المقاومة الإيرانية ومنظمة «مجاهدي خلق» من مختلف أنحاء أوروبا، رافعين شعارات ضد نظام الملالي ومطالبين بالحرية والديمقراطية. لقد كانت بروكسل بمثابة زلزال سياسي هزّ أركان النظام في طهران وأوصل صوت الشعب الإيراني إلى المؤسسات الأوروبية ومراكز القرار الدولي.

وبالتوازي مع هذه التظاهرة، يستعد الإيرانيون لتظاهرة ضخمة أخرى في نيويورك، عاصمة السياسة الأميركية، يومي 23 و24 أيلول (سبتمبر) 2025، أمام مقر الأمم المتحدة في ساحة داغ هامارشولد (47th Street & 2nd Avenue). هنا، بمشاركة مئات الإيرانيين القادمين من أكثر من 40 ولاية أميركية، سيرتفع الصوت ذاته ضد القمع السياسي وبرنامج إيران النووي، مطالبًا بدعم المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية كخيار ثالث عملي بعد فشل سياسة الاسترضاء والحروب الخارجية.

وإذا كانت بروكسل قد شكّلت زلزالًا سياسيًا عنيفًا ضد الملالي، فإن نيويورك ستكون زلزالًا بعشرات وأضعاف المرات، لأنها أقرب إلى مركز القرار العالمي، أي الأمم المتحدة، مما يجعل وقعها أشدّ تأثيرًا ووقعًا على نظام طهران.

هذه التحركات الدولية تؤكد أن الشعب الإيراني ليس وحده في صراعه، وأن أي ضغط دولي مستمر ينسق مع الانتفاضات الداخلية يمكن أن يُسرّع سقوط النظام القمعي، ويحوّل إرادة الشعب إلى نتائج سياسية ودبلوماسية ملموسة على الساحة العالمية، والدليل على ذلك توسيع نطاق عمل وحدات المقاومة خلال الفترة الأخيرة...

الخلاصة
إنَّ سقوط حليف إيران الإقليمي الرئيسي في سوريا والهزائم المتتالية لوكلاء النظام يثبت هشاشة ما كان يُعرف بالعمق الاستراتيجي للنظام. ويُظهر استمرار الانتفاضات الشعبية داخل إيران أن الحل لا يكمن في الاسترضاء أو في الحروب الإقليمية، بل في دعم الشعب الإيراني ومقاومته المنظمة، التي تمثل الطريق الثالث الحقيقي لتحقيق التغيير وإسقاط النظام القمعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.