في عالم العلاقات الدولية كثيراً ما تتحول حياة الأفراد إلى رهائن للصراعات بين الدول والجماعات المسلحة، حيث يُستغل الاحتجاز التعسفي كورقة ضغط ومساومة على حساب القيم الإنسانية والقانون الدولي. ومن هنا جاء القرار التنفيذي الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مطلع سبتمبر 2025، ليضع إطاراً أكثر صرامة لمواجهة هذا النمط من الانتهاكات، عبر منح واشنطن صلاحيات لتصنيف الدول أو الكيانات التي تمارس هذا السلوك باعتبارها "رعاة للاحتجاز التعسفي". ما يلفت الانتباه أن هذا القرار لا ينحصر في كونه إجراءً إدارياً داخلياً، بل يعبّر عن تحول أوسع في الاستراتيجية الأمريكية، حيث تسعى الولايات المتحدة إلى جعل تكلفة الاحتجاز السياسي أو استخدام الرهائن أداة ضغط أكثر كلفة من أي مكسب محتمل.
القرار التنفيذي الجديد يعكس بوضوح رغبة الإدارة الأمريكية في سد ثغرات قائمة منذ سنوات في المنظومة القانونية والسياسية للتعامل مع قضية الرهائن. فقد منحت التجارب السابقة، سواء في إيران أو كوريا الشمالية أو فنزويلا، مؤشرات قوية على أن سياسة المماطلة والاعتماد على القنوات الدبلوماسية التقليدية لا تحقق نتائج ملموسة. وبحسب النص الرسمي للبيت الأبيض، فإن القرار يخوّل وزارة الخارجية ووزارة الخزانة العمل المشترك لتصنيف الدول والكيانات التي تمارس الاحتجاز غير المشروع، واتخاذ إجراءات عقابية بحقها، وهو ما يفتح الباب أمام سلسلة من العقوبات الاقتصادية والمالية وتقييد التعاون الثنائي مع هذه الأطراف.
وتأكيداً على الجدية في التنفيذ، جاء إعلان الرئيس ترامب الذي حمّل فيه الدول الأجنبية المسؤولية المباشرة عن سجن الأمريكيين ظلماً، معلناً أنه فوّض وزير الخارجية ماركو روبيو بإدراج هذه الدول في قائمة "الرعاة للاحتجاز غير المشروع". وقد حذّر ترامب بلهجة صارمة قائلاً: "أي فرد يقوم باستغلال مواطن أمريكي كورقة مساومة سيتحمّل العواقب، وعليه أن يفرج عن الرهائن فوراً أو يواجه التبعات". هذا التصريح لا يترك مجالاً للشك بأن واشنطن ماضية في سياسة الردع، وأن أي تساهل سابق لن يتكرر.
هذا القرار يضع الدول الراعية للإرهاب، وفي مقدمتها إيران، أمام تحدٍّ إضافي، إذ إنها لطالما استخدمت سياسة احتجاز الأجانب ـ وخاصة الأمريكيين ـ كوسيلة للتفاوض أو كجزء من استراتيجية الردع غير المتماثل. ومن الواضح أن واشنطن باتت تنظر إلى هذه الممارسات باعتبارها عملاً عدائياً يستوجب العقاب، لا مجرد ملف تفاوضي يمكن إدارته بالوساطات.
الرسالة الموجهة لا تقتصر على الدول، بل تمتد أيضاً إلى الحركات المسلحة والميليشيات التي تعمل كوكلاء لتلك الدول. ففي العراق واليمن ولبنان وغيرها، هناك تنظيمات إرهابية مرتبطة بشكل مباشر بالحرس الثوري الإيراني، غالباً ما تتورط في اختطاف أو احتجاز مزدوجي الجنسية، أو حتى باحثين وصحفيين أجانب، لاستخدامهم كورقة ضغط في التفاوض مع الغرب. وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي في تعليق رسمي عقب توقيع القرار: "لقد آن الأوان لإغلاق سوق الرهائن. أي جهة تظن أنها ستكسب شيئاً من اختطاف الأبرياء ستجد نفسها معزولة ومعاقبة".
من الناحية العملية، القرار يعكس إدراك واشنطن أن الدبلوماسية وحدها لم تعد كافية. فالتجارب المؤلمة، أظهرت أن غياب أدوات الردع الفعّالة جعل من حياة الرهائن ملفاً عالقاً بيد خصوم الولايات المتحدة. وهنا يبرز دور القرار التنفيذي باعتباره سيفاً جديداً بيد المفاوض الأمريكي، بحيث تصبح كلفة الاحتجاز أعلى بكثير من أي مكاسب سياسية أو اقتصادية محتملة.
لا شك أن لهذا القرار تداعيات واسعة على الدول التي سبق أن وُصفت بأنها راعية للإرهاب. فالتصنيف الجديد يجعلها أمام نوع آخر من الوصم القانوني والأخلاقي، ويركز الضوء بشكل مباشر على استغلالها لحياة الأفراد في لعبة المصالح. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من العزلة الدولية، وتفاقم العقوبات الاقتصادية، وإضعاف فرصها في التفاوض مع واشنطن في ملفات حساسة مثل الطاقة أو البرنامج النووي أو صفقات السلاح. من وجهة نظري، فإن إيران ستكون المتضرر الأكبر، إذ إنها تتصدر قائمة الدول التي استخدمت هذا الأسلوب بشكل منهجي عبر أذرعها الإقليمية، وهو ما يجعلها عرضة لموجة جديدة من الضغوط التي قد تكون أكثر تأثيراً من العقوبات التقليدية.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال البعد الرمزي والإعلامي للقرار. فتوقيته، الذي جاء متزامناً تقريباً مع الإفراج عن الباحثة الروسية-الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف بعد أكثر من 900 يوم في الاحتجاز لدى ميليشيا عراقية إرهابية موالية لإيران، يعكس رغبة واضحة من واشنطن في ربط الإنجاز الإنساني بالإطار السياسي الجديد. وكأن الرسالة الموجهة للرأي العام الدولي تقول: إن أي عملية إفراج مستقبلية لن تكون ثمرة تفاوض منفصل، بل جزءاً من استراتيجية أمريكية شاملة لمكافحة هذا النوع من الانتهاكات. وهذا التداخل بين القانوني والإنساني والإعلامي يعكس براعة في إدارة الملف بما يخدم صورة الولايات المتحدة كمدافع عن مواطنيها وعن القيم العالمية في الوقت ذاته، ويكشف في الوقت نفسه أن ميليشيات إيران وأذرعها في العراق ما عادت تملك ترف التلاعب بملف الرهائن كما اعتادت. لقد دفعتهم الضغوط الأمريكية والتهديد بالعقوبات إلى الإفراج عنها، ليس بدافع إنساني ولا أخلاقي، بل خوفاً من أن يتحولوا إلى هدف مباشر لآلة العقوبات الأمريكية التي لا ترحم. إن ارتباكهم ورضوخهم السريع بمجرد صدور القرار التنفيذي يؤكد أن هذه الجماعات ليست سوى أدوات رخوة، ترتعد أمام العصا الأمريكية حين تُرفع في وجوهها. وبذلك، فإن الرسالة الأوضح من واشنطن هي أن زمن المقايضة بالرهائن قد انتهى، وأن كل من يجرؤ على تحويل حياة الأبرياء إلى أوراق مساومة سيدفع الثمن مضاعفاً، سواء كان نظاماً مارقاً كإيران أو ميليشيا ذيلية تعيش على فتات دعمه.
وإذا ما تجرأت دول أخرى على الاستمرار في نهج الاحتجاز التعسفي لرعايا أمريكيين في المرحلة المقبلة، فإن تداعيات القرار ستكون أشد قسوة مما شهدناه في الماضي. إذ ستواجه تلك الدول ليس فقط عزلة دبلوماسية، بل تجميداً لمواردها المالية، وتضييقاً على تجارتها الخارجية، وحرمانها من أي فرص للتطبيع أو التفاهم مع الولايات المتحدة. والأسوأ أن وصمها كـ "راعية للاحتجاز التعسفي" سيجعلها في مرمى الضغوط الدولية، حيث ستجد نفسها محاصرة أمام الرأي العام العالمي باعتبارها أنظمة فاقدة للشرعية، تعيش على الابتزاز وتفتقر إلى الحد الأدنى من احترام القانون الدولي. ومن وجهة نظري، فإن هذا التحول يفتح الباب أمام عهد جديد لا مكان فيه لسياسة الرهائن، ويعيد تعريف قواعد الردع في العلاقات الدولية بشكل يعيد الاعتبار إلى هيبة واشنطن وكرامتها الاستراتيجية