: آخر تحديث

الغضب الساطع آت؟

3
3
3

في مطلع شبابي كنت مبهوراً بأغنية فيروز الرائعة (زهرة المدائن) لعذوبة صوت فيروز من جهة، ولحلاوة لحن الأخوين رحباني من جهة أخرى. كنت دائماً أسعد بإعادة عرضها من التلفزيون العراقي وأستمتع بسماعها. وكنت مشدوداً خاصة بالمقطع الأخير من الأغنية التي تصدح فيها فيروز بصوتها الرقيق الملائكي بعبارة (الغضب الساطع آت) والكورس يردد من بعدها المقطع مزلزلاً الأرض من تحت أقدام الشباب العربي. لا أستطيع أن أحكم ما إذا كانت تلك الأناشيد التي يتسابق الشعراء والملحنون لتقديمها أثناء الحروب ستؤثر على حماسة الشباب في تلك اللحظات، أم أنهم كانوا مثلي يستمعون إليها لحلاوة اللحن والاستمتاع بجمال صوت منشديها. على أي حال فأنا ما زلت أستمتع بسماع بعض الأناشيد التي عرضتها شاشات التلفزة العراقية أثناء حرب القادسية المشؤومة فقط لجمال ألحانها والأصوات التي غنتها، ولا أذكر أن أياً من تلك الأناشيد حفزتني للذهاب إلى جبهات القتال والمشاركة في العدوان على إيران.

طوال السنوات التي تلت إطلاق أغنية السيدة فيروز لم نر أي (غضب ساطع) يصب من العرب على إسرائيل لتحرير (زهرة المدائن). بل وجدنا العكس تماماً حين انحصر ذلك الغضب في عمليات تفجير ملاهٍ في أوروبا وخطف الطائرات وقتل الرهائن، لتأتي بعدها توقيع اتفاقيات كامب ديفيد وأوسلو وأخيراً عمليات التطبيع من قبل عدة دول عربية مع إسرائيل وفتح سفاراتها ومكاتبها في العواصم العربية.

حتى الهجمات التي شنتها حماس في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) لم تكن غضباً ساطعاً بقدر ما كانت (غلطة ساطعة) دمرت فلسطين وأعادت قضيتها إلى المربع الأول بعد ما قتل من الفلسطينيين ما يقدر بستين ألف قتيل وأكثر من مائة ألف جريح بالتوازي مع تدمير هائل لقطاع غزة، وعمليات التدمير ما زالت متواصلة حتى تسوية القطاع بالأرض. ولا يعلم غير الله كم من الضحايا تنتظر الموت حتى تحقق إسرائيل أهدافها الكاملة في وأد القضية الفلسطينية وقبر حلم الدولتين.

الحقيقة الساطعة الماثلة أمامنا هي، أن الدول العربية برمتها كانت طوال الزمن الماضي مشحونة للحرب مع إسرائيل، ومضت ثمانية عقود على الاحتلال الإسرائيلي وفشلت كل تلك الدول بترساناتها العسكرية، صواريخها وطائراتها ومدافعها وجيوشها من تحرير ولو شبر واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

واليوم فإن المعادلة انقلبت تماماً، فها هي إسرائيل لا تكتفي فقط بمحاربة حماس رداً على هجمات تشرين الأول (أكتوبر)، بل إنها تحارب في عدة جبهات (فلسطين، لبنان، سوريا، اليمن، إيران، العراق، قطر) وقد تتوسع حروبها إلى بلدان أخرى. ولا يبدو في الأفق بأن ترسانة إسرائيل سوف تنضب، فهي تحارب بكل قوتها على جميع هذه الجبهات في وقت واحد دون كلل أو ملل، وهي قادرة على الاستمرار في هذه الحرب الإقليمية إلى ما شاء الله. وبالمقابل نرى بأن الدول العربية التي تنفق سنوياً عشرات المليارات من الدولارات على شراء الأسلحة من أميركا والغرب وفيها أسلحة متقدمة جداً، لكنها لا تجرؤ على استخدام ولا طلقة واحدة ضد إسرائيل، فتكتفي بإصدار بيانات في القمم واجتماعات الجامعة العربية وإصدار تصريحات هنا وهناك تدين العدوان الإسرائيلي، وهذه أقوال لا تسمن ولا تغني من جوع.

إنَّ التفوق الإسرائيلي بدا واضحاً للجميع من خلال فتح كل هذه الجبهات في وقت واحد، وبالمقابل ظهر الخذلان العربي بشكل أوضح في مواجهة إسرائيل أو ثنيها عن عمليات الإبادة والقتل الجماعي والتجويع الممنهج للفلسطينيين.

إذن، ألم يحن الوقت ليعود العرب وبالأخص الفلسطينيون وعلى وجه التحديد حركة حماس التي لم تبق لديها سوى سبعة آلاف مقاتل يختبئون في الأنفاق أو يتحصنون بين المدنيين، أن يعودوا إلى رشدهم وينهوا هذه المعاناة الطويلة للشعب الفلسطيني وأهالي غزة المهجرين والجوعى؟ أما آن الأوان ليتخلص العرب من أوهامهم وأحلامهم بإلقاء إسرائيل في البحر ويتعقلوا قليلاً ويفهموا بأنهم غير قادرين على مواجهة الآلة العسكرية لإسرائيل؟ ألم يحن الوقت لإنهاء هذا الصراع العبثي المزمن ويفهم العرب بأنهم لا يحاربون إسرائيل وحدها، بل إنهم أصبحوا في مواجهة مباشرة مع أميركا التي تدعم إسرائيل بكل قوتها وإمكاناتها؟

عندنا مثل كردي يقول: "عودة الخسارة من النصف، ربح".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.