: آخر تحديث
وسط تصعيد التوترات

مفاوضات نووية متعثرة بين إيران والولايات المتحدة

3
2
3

يبدو أنَّ المفاوضات النووية بين النظام الإيراني والولايات المتحدة وصلت إلى طريق شبه مغلق بعد الجولة الخامسة في روما يوم الجمعة 23 أيار (مايو) 2025، والتي ترمي إلى محاولة إيجاد حل لنزاع مستمر منذ عقود حول طموحات طهران النووية. ومع ذلك، فإنَّ هذه المحادثات باتت محاصرة بحواجز شائكة، حيث أعلن المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي أنَّ التوصل إلى اتفاق جديد قد يكون بعيد المنال بسبب الخطوط الحمراء المتضاربة بين الطرفين. وتأتي هذه المفاوضات في ظل توترات متصاعدة وتحديات داخلية وخارجية تواجه النظام الإيراني، مما يجعل الوصول إلى حل وسط أمرًا بالغ الصعوبة.

خطوط حمراء متضاربة
يسعى الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى تقييد قدرة إيران على إنتاج أسلحة نووية، وهي قدرة يُخشى أن تُشعل سباق تسلح نووي في المنطقة، مما يهدد الاستقرار الإقليمي. في المقابل، يطالب النظام الإيراني برفع العقوبات الاقتصادية المدمرة التي أضرت باقتصاده المعتمد على النفط بشكل كبير. ومع اقتراب المفاوضات، اتخذت كل من طهران وواشنطن مواقف متشددة بشأن برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم، مما يعقد آفاق التوصل إلى اتفاق.

وأكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو في تصريح يوم الثلاثاء 20 أيار (مايو) أنَّ واشنطن تسعى إلى اتفاق يسمح لإيران بالاحتفاظ ببرنامج نووي مدني لأغراض الطاقة، لكنه يمنع تخصيب اليورانيوم. وأقر روبيو بأن التوصل إلى مثل هذا الاتفاق لن يكون سهلاً، مشيرًا إلى العقبات الكبيرة التي تواجه المفاوضين. من جانبه، وصف خامنئي، صانع القرار الأعلى في إيران، مطالب واشنطن بوقف التخصيب بأنها "مبالغ فيها ووقحة"، محذرًا من أن فرص نجاح المفاوضات تبدو ضئيلة. وأشار إلى أن التخصيب يمثل ركيزة أساسية لسيادة إيران، وهو موقف عكسته خطب الجمعة في مدن مثل أصفهان وطهران، حيث أكد ممثلو خامنئي أن البرنامج النووي غير قابل للتفاوض.

عقبات رئيسية أمام الاتفاق
تتمثل العقبات الرئيسية أمام التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران في رفض طهران إرسال مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب إلى الخارج، إلى جانب عدم استعدادها للتفاوض حول برنامجها للصواريخ الباليستية. وتطالب إيران بضمانات "ثابتة وموثوقة" من واشنطن بأن الولايات المتحدة لن تنسحب من أي اتفاق نووي مستقبلي، وهو مطلب يعكس تجربة انسحاب إدارة ترامب من الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة) في عام 2018، والذي أعقبه فرض عقوبات واسعة النطاق أضرت بالاقتصاد الإيراني.

في المقابل، تجاوزت إيران بشكل كبير حدود تخصيب اليورانيوم التي نص عليها اتفاق 2015، مما زاد من التوترات مع الغرب. وبحسب تقارير وكالة رويترز، فإن فشل المفاوضات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، بما في ذلك تصعيد عسكري محتمل. وفي هذا السياق، حذر وزير الخارجية الإيراني عباس أراغجي يوم الخميس من أن أي هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية سيجعل الولايات المتحدة مسؤولة قانونيًا، في إشارة إلى الدعم الأميركي لإسرائيل.

تحديات داخلية تواجه النظام
تتزامن المفاوضات مع ضغوط داخلية متزايدة على النظام الإيراني. يواجه النظام احتجاجات شعبية واسعة، بما في ذلك إضراب سائقي الشاحنات الذي شمل 93 مدينة في 27 محافظة، احتجاجًا على تدهور الأوضاع الاقتصادية. كما يعاني النظام من تصاعد المعارضة المنظمة، حيث دعم 560 برلمانيًا بريطانيًا في شباط (فبراير) 2025 تغيير النظام وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية. هذه الضغوط تزيد من تعقيد موقف طهران في المفاوضات، حيث يرى النظام في البرنامج النووي درعًا للبقاء في مواجهة التهديدات الداخلية والخارجية.

مخاوف إقليمية ودولية
تثير طموحات إيران النووية قلقًا إقليميًا ودوليًا، خاصة من إسرائيل التي أعلنت مرارًا أنها لن تسمح لإيران بامتلاك أسلحة نووية. النظام الإيراني، من جانبه، يصر على أن برنامجه النووي سلمي بالكامل، لكن التقارير الدولية تشير إلى أن مستويات التخصيب الحالية تقترب من المستوى المطلوب لإنتاج أسلحة نووية، مما يزيد من المخاوف. ويخشى المراقبون أن يؤدي فشل المفاوضات إلى تصعيد عسكري، قد يشمل ضربات إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، مما يهدد بجر المنطقة إلى صراع أوسع.

سياسة "الضغط الأقصى"
منذ شباط (فبراير) 2025، أعادت إدارة ترامب تفعيل سياسة "الضغط الأقصى" ضد إيران، مما زاد من الضغوط الاقتصادية على النظام. هذه السياسة، التي بدأت في الولاية الأولى لترامب، أدت إلى انهيار قيمة العملة الإيرانية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة. ومع ذلك، بدلاً من التراجع، رد النظام الإيراني بتسريع برنامجه النووي، في محاولة لتعزيز موقفه التفاوضي. هذا التصعيد المتبادل يجعل التوصل إلى اتفاق أكثر صعوبة، حيث يرى كل طرف أن التنازل سيُعتبر إشارة ضعف.

دور المقاومة الإيرانية
سلطت المقاومة الإيرانية، بقيادة المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، الضوء على هذه التطورات، محذرة من أن النظام يستخدم البرنامج النووي كأداة للبقاء في مواجهة الضغوط الداخلية. وأكدت المقاومة أن النظام يخشى من انتفاضة شعبية جديدة، خاصة مع تصاعد الاحتجاجات العمالية والاجتماعية. ودعت المقاومة المجتمع الدولي إلى اتخاذ موقف حازم ضد النظام، مشيرة إلى أن أي تساهل قد يعزز من قدرته على قمع المعارضة.

آفاق المستقبل
تواجه المفاوضات النووية تحديات معقدة، حيث يبدو أن الثقة المتبادلة بين الطرفين شبه معدومة. إيران تطالب برفع العقوبات كشرط أساسي، بينما تصر الولايات المتحدة على فرض قيود صارمة على برنامج التخصيب والصواريخ الباليستية. ومع تصاعد التوترات الإقليمية، خاصة مع إسرائيل، يصبح الوقت عاملاً حاسمًا. فشل المفاوضات قد يؤدي إلى مواجهة عسكرية، بينما قد يتطلب النجاح تنازلات كبيرة من الطرفين، وهو أمر يبدو بعيدًا في ظل المواقف المتشددة الحالية.

تمثل المفاوضات النووية في روما لحظة حاسمة لإيران والمجتمع الدولي. النظام الإيراني، المحاصر بالعقوبات الاقتصادية والاحتجاجات الداخلية، يرى في برنامجه النووي وسيلة للبقاء والتفاوض. ومع ذلك، فإن الخطوط الحمراء المتضاربة والضغوط الإقليمية تجعل التوصل إلى اتفاق أمرًا شبه مستحيل. في هذا السياق، يبقى دور المجتمع الدولي، بما في ذلك الصحافة والمنظمات الحقوقية، حاسمًا في مراقبة هذه التطورات وفضح الانتهاكات التي يرتكبها النظام. التحدي الأكبر الآن هو إيجاد توازن بين الدبلوماسية والضغط لتجنب تصعيد قد يغرق المنطقة في أزمة غير مسبوقة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.