: آخر تحديث
هل هنالك تراجع؟

ازدواجية المعايير في السياسة الدولية

13
11
8

لا شك أن ظاهرة ازدواجية المعايير إحدى الظواهر المتكررة في العديد من القضايا العالمية، فهي تعني وجود تناقض في الرأي أو في اتخاذ قرار لحالة أو لموقف واحد حسب طبيعة الأشخاص ووفق ما يمليه التفضيل الشخصي. فالحالة الطبيعية أن يكون هنالك موقف واحد ومعايير واحدة، ولكن التحيز والتناقض من سمات الازدواجية.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على كيانات معينة أو فاعلين محددين، فهذه النزعة متأصلة أولاً في بعض البشر الذين لا يهمهم إلا إعلاء المصلحة الشخصية أو مصلحة من يهمهم أمرهم، بغض النظر عن طبيعة الموقف أو الأمر الذي هم في صدد مواجهته.

بعد الحرب العالمية الثانية، حيث انتهت الحقبة الاستعمارية واستقلت العديد من الدول، ونشأت العديد من المنظمات الدولية على رأسها منظمة الأمم المتحدة التي يصل عدد أعضائها إلى 193 دولة، أصبحت القضايا والمشكلات العالمية في ازدياد نظراً لحجم الدول. حيث تنوعت القضايا بأشكالها السياسية والاقتصادية والبيئية والثقافية وغيرها، وازدادت الصراعات الإقليمية والدولية.

وفي خضم تلك المشكلات، انتهجت العديد من الدول التي تعامل القضايا الدولية بصيغة "ما يحق لنا لا يحق لغيرنا" هذا النهج، حيث أصبحت ازدواجية المعايير هي المحرك الأساسي لسلوك الدول التي تدّعي دائماً رغبتها والتزامها تجاه السلام وحفظ حقوق الإنسان والمساواة والعدالة وحق الشعوب في تقرير المصير في بعض القضايا الدولية، والشواهد لذلك كثيرة، منها الحرب الروسية الأوكرانية وحرب غزة.

منذ بداية الغزو الروسي، والولايات المتحدة والدول الأوروبية في تنديد مستمر للسياسات الروسية والتوسع في الحرب، إضافة إلى الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي المتواصل لأوكرانيا. ولكن في مكان آخر وفي السياق نفسه، حرب غزة حيث تحصل عمليات الإبادة والاستيطان من قبل إسرائيل، لا نجد نفس الأصوات المتعالية من الدول الأوروبية وأميركا في استنكار ومحاولة إيقاف الحرب، بل دعماً لا متناهياً وخاصة من الجانب الأميركي.

ولكنَّ الأمور الآن قد تكون تغيرت نسبياً، خاصة من جانب الدول الأوروبية ومواقفها في الآونة الأخيرة في الرغبة لحل الدولتين ووقف الكوارث الإنسانية والاستعداد للاعتراف بدولة فلسطين، عقب تجاهل إسرائيل لكافة محاولات وقف الحرب وتصعيد العمليات العسكرية وازدياد عدد القتلى في غزة وسوء الحالة الإنسانية، وتواصل الضغط الأميركي أيضاً لوقف الحرب والمحاولة لإيجاد حلول تخدم القضية.

أحد الأوجه الأخرى لازدواجية المعايير وأكثرها غرابة تكمن فيما قاله نتنياهو بعد حادثة مقتل موظفي السفارة الإسرائيلية في واشنطن، عندما قال موجهاً كلامه لرئيس الوزراء البريطاني ستارمر والرئيس الفرنسي ماكرون: "أنتم على الجانب الخطأ من العدالة والإنسانية والتاريخ"، وكأنه يتحدث عن نفسه. ماذا عما يفعله في غزة؟ مما لا شك فيه أن العمليات الإرهابية والقتل والعنف ليس لها مبرر أبداً، ولكن تزايد حالاتها وازدياد معاداة الصهيونية في العالم، سببها الرئيسي ما تفعله حكومة نتنياهو في غزة.

تتعدد حالات ازدواجية المعايير، سواء في حقوق الإنسان أو القضايا الاقتصادية والاجتماعية والقانون الدولي، وانخراط الدول الكبرى فيها قد يعني أحياناً ضلوع المؤسسات الدولية في الأمر، ولكن من المنطقي أن تتراجع استجابة للظروف المتغيرة في العالم، لأنها حالة تفضيلية ومزاجية. وواقع المجتمع الدولي بقضاياه الشائكة في الوقت الراهن لم يعد يسمح بذلك، ومن الملاحظ في الفترة الراهنة أن الدول قد استوعبت مقدار الأثر الكارثي الذي تسببه هذه الظاهرة، حيث باستمرارها من شأنه أن يؤجج الصراعات ويقوّض الجهود التي تُبذل لأجل السلام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.