: آخر تحديث

الفجوة الأخلاقية: بين خطاب الجيش الإسرائيلي وتفاهة رد حماس

5
4
3

في خضم الصراع الدامي الذي يشهده قطاع غزة، تبرز فجوة هائلة في الخطاب الإعلامي بين الطرفين المتحاربين، فجوة تكشف عن تباين صارخ في النظرة إلى قيمة الإنسان وأهمية الحياة البشرية، فبينما يحاول الجيش الإسرائيلي، ممثلاً بمتحدثه باللغة العربية أفيخاي أدرعي، تقديم خطاب يفصل بين المدنيين وقيادات حماس، نجد في المقابل خطاباً مستفزاً من قيادات حماس الإرهابية يستهين بالخسائر البشرية ويتعامل مع الضحايا كمجرد أرقام وإحصائيات، بل ويصل الأمر إلى اعتبار هذه الخسائر "تكتيكية" يمكن تجاوزها وتعويضها.

هذا التباين الصارخ في الخطاب يكشف عن حقيقة مروعة، الا وهي ان قيادات حماس الإرهابية لا تكترث بدماء أبناء شعبها، ولا تأبه بالتداعيات الكارثية لأعمالها الإرهابية، وتنظر إلى الموت والدمار بمنظار مختلف تماماً عن منظار الإنسانية الطبيعية. فالجثث ليست جثثاً، بل "شهداء" بقرار من حماس، والمنازل المدمرة ليست خسارة، لأن "التعويضات قادمة" كما يزعمون.

في تغريدة نشرها أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، نقل رسالة من رئيس الأركان الإسرائيلي إلى سكان غزة يقول فيها: "لسنا الذين أتوا بهذا الدمار عليكم. لسنا الذين بادروا بهذه الحرب. لسنا الذين نهبوا منكم الطعام والمأوى والمال. لسنا الذين يتسترون في المستشفيات والمدارس. لسنا الذين ينزلون في الفنادق الفاخرة فيما تعيشون أنتم المأزق والضيق، بل هي قيادتكم التي تحتجز مختطفينا. حماس هي التي بادرت بهذه الحرب وهي التي تتولى المسؤولية عنها. هي التي تتولى المسؤولية عن الأوضاع الصعبة لأهالي القطاع - هي التي دمّرت ولن تكون التي تعيد الإعمار".

هذا الخطاب، يحاول مخاطبة السكان المدنيين بلغة إنسانية، ويسعى إلى الفصل بين المدنيين وقيادات حماس الإرهابية، ويركز على الجوانب الإنسانية والمعيشية مثل الطعام والمأوى والمال. كما يشير إلى تناقض صارخ بين معاناة السكان العاديين ورفاهية قيادات حماس التي تنعم بالفنادق الفاخرة بينما يعاني شعبها الأمرّين.

في المقابل، نجد خطاباً مستفزاً من قيادات حماس الإرهابية يكشف عن استهانة صارخة بالدماء والأرواح. فالقيادي في حماس سامي أبو زهري يصرح بكل وقاحة: "الشهيد في غزة يأتي غيره وسيعاد بناء البيوت المدمرة ولو حسبنا نتائج المعركة بالماديات لما قمنا بـ 7 أكتوبر".

هذا التصريح المستفز يختزل النظرة الدونية لقيادات حماس الإرهابية تجاه أرواح الفلسطينيين. فالشهيد مجرد رقم يمكن استبداله، والبيوت المدمرة مجرد حجارة يمكن إعادة بنائها، وكأن الأرواح البشرية والذكريات والأحلام التي دُفنت تحت الأنقاض لا قيمة لها!

ولم يكن أبو زهري وحده في هذا النهج المستهتر بالأرواح البشرية، فقد صرح خالد مشعل، رئيس حركة حماس في الخارج، بأن "خسائرنا تكتيكية" في إشارة إلى عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والمشردين. وأضاف مشعل: "ربما أيضاً فقدنا الآلاف من الفلسطينيين، لكن الشعوب تضحي بأرواحها من أجل أوطانها ومقدساتها."

لم تقتصر انتهاكات حماس الإرهابية على استهانتها بأرواح الفلسطينيين فحسب، بل تجاوزت ذلك إلى ارتكاب جرائم بشعة ضد المدنيين الإسرائيليين، بما في ذلك قتل الأطفال والعجائز واختطاف المدنيين واغتصاب النساء. هذه الأفعال الوحشية لا تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني فحسب، بل تتعارض بشكل مباشر مع القيم الأخلاقية الإنسانية الأساسية والتعاليم الدينية الإسلامية التي تدعي حماس الالتزام بها.

إن هذا التناقض الصارخ بين ادعاءات حماس الإرهابية بتمثيل الإسلام وبين أفعالها المنافية لتعاليمه يكشف عن نفاق وازدواجية معايير مقيتة، فهي تستخدم الدين كغطاء لتبرير جرائمها، في حين أن أفعالها تمثل انتهاكاً سافراً لأبسط القيم الإنسانية والدينية.

هذا النمط من السلوك يؤكد أن حماس لا تكترث بمصير المدنيين، سواء كانوا فلسطينيين أو إسرائيليين، وأنها مستعدة لاستخدامهم كأدوات في صراعها ، دون أي اعتبار لحقهم في الحياة والكرامة. إنها تمثل نموذجاً صارخاً للتنظيمات المتطرفة التي تستغل الدين لتبرير العنف والإرهاب، في حين أن أفعالها تتناقض تماماً مع جوهر الرسالة الدينية القائمة على الرحمة والعدل واحترام كرامة الإنسان.

هذه التصريحات المتناقضة تكشف عن فجوة أخلاقية هائلة بين الطرفين. فبينما يحاول الجيش الإسرائيلي، في خطابه الإعلامي، إظهار اهتمام بحياة المدنيين الفلسطينيين، نجد قيادات حماس تتعامل مع شعبها كمجرد أرقام وإحصائيات، وتبرر التضحيات البشرية الهائلة بمكاسب سياسية أو معنوية غير ملموسة.

هذه الفجوة الأخلاقية تطرح تساؤلات خطيرة حول شرعية قيادات حماس الإرهابية وأهليتها لتمثيل الشعب الفلسطيني. فكيف يمكن لقيادة تستهين بدماء شعبها وتتعامل مع الضحايا كمجرد أرقام أن تدعي تمثيل هذا الشعب والدفاع عن مصالحه؟

هذه الشخصيات المريضة، التي تستثمر في الموت وتتاجر بالدماء، لا يمكن أن تكون ممثلة شرعية للشعب الفلسطيني الذي يتوق إلى الحياة والسلام والكرامة، بل هي عبء ثقيل على هذا الشعب، وسبب رئيسي في معاناته المستمرة.

لقد آن الأوان لأن يتخلص الشعب الفلسطيني من هذه القيادات المريضة التي تستهين بدمائه وتتاجر بمعاناته، وأن يختار قيادات جديدة تؤمن بقيمة الحياة البشرية وتسعى إلى تحقيق السلام والازدهار، بدلاً من الاستثمار في الموت والدمار.

فالفرق شاسع بين من يحاول، إظهار الاهتمام بحياة المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب، وبين من يصرح علناً بأن "الشهيد يأتي غيره" وأن الخسائر البشرية مجرد "خسائر تكتيكية" يمكن تعويضها، إنها فجوة أخلاقية هائلة تكشف عن الوجه الحقيقي لحماس الإرهابية، إنه وجه الإرهاب والاستهتار بالأرواح البشرية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.