: آخر تحديث

سوريا أحمد الشرع

11
8
6

لم تقترن روما مع اسم أي إمبراطور من الأباطرة الذين تعاقبوا على حكمها كما جرى اقترانها مع اسم الإمبراطور يوليوس قيصر، ونفس الأمر بالنسبة إلى الدولة العباسية مع الخليفة هارون الرشيد، والدولة العثمانية مع السلطان سليمان القانوني، ففي عهد حكم هذه الشخصيات التاريخية، شهدت ممالكهم تطوراً وازدهاراً لفت أنظار العالم كله ولا تزال تُذكر بكل فخر وإجلال.

عنوان المقالة أعلاه، من خلال المقدمة التي ذكرتها، قد يثير حفيظة البعض بل وحتى غضبهم من تنسيب سوريا إلى الرئيس الحالي أحمد الشرع، وحتى يمكن اعتبار ذلك بمثابة تهويل وجنوح أكثر من اللازم عن الحقيقة والواقع، ولكن، عند النظر إلى الفترة القصيرة نسبياً التي يحكم فيها سوريا (من كانون الأول - ديسمبر 2024 إلى أيار - مايو 2025) وما قد تمكن من تحقيقه للشعب السوري خلال ذلك، يجعله رئيساً مختلفاً عن أسلافه، إذ لم يتمكن أي منهم من تقديم ما قد ساهم بتقديمه، بل وحتى بدوره وجهده في حقن الدماء ونيران الفتنة والاختلاف إلى أبعد حد.

ليس هناك من كاتب أو محلل سياسي متابع للشأن السوري لا يتذكر التحذيرات التي كانت تُطلق من مغبة سقوط الدكتاتور الهارب بشار الأسد، ومن أن سوريا ستغرق في بحار من الدماء ولن تسلم من آثارها وتداعياتها دول المنطقة، لكن مع إجراء عملية مقارنة بين ما جرى في العراق بعد سقوط نظام حكم صدام حسين، وكذلك مع ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، فإنَّ الفرق هائل، ولا سيما أنَّ الحكم الوطني السوري لا يزال في بدايته، مع الأخذ بعين الاعتبار حجم التهويل الذي جرى لما حدث في بعض المناطق من مواجهات دامية، ولكن محدودة، تمّت السيطرة عليها وكبح جماحها.

ما يميز أحمد الشرع عن أسلافه أنه لم يقدم نفسه للشعب كحاكم، وإنما كمعيد لبناء سوريا، صناعياً وزراعياً وحتى ديموغرافياً، والملفت للنظر فيه أنه كسب ثقة واطمئنان دول العالمين العربي والإسلامي، وصار محط ثقة واعتبار على الصعيد الدولي أيضاً.

الزيارات التي قام بها الشرع إلى بلدان الخليج، وبالأخص إلى السعودية، أثبتت بصورة وأخرى أنه يمنح الأولوية ليس لإعادة بناء سوريا، وإنما إعمارها والسعي الدؤوب للسباق مع الزمن بهذا الصدد، وحتى إن كسبه لثقة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (الذي صار صمام أمان المنطقة وكلمة السر لها)، يدل على أنه أهل للثقة والاعتبار، وأنه رجل رصين ويعني فعلاً ما يقوله، وأنه قد عرف من أين يبدأ إعادة بناء سوريا.

الشرع، ومن خلال بروزه كساعٍ جدي لبناء سوريا من جديد وقلب صفحة جديدة في تاريخها الحديث، فقد أثبت أيضاً أنه رجل حكيم ويتعامل مع الأمور والأوضاع بعين العقل والمنطق. ومن المثير للسخرية والتهكم أن يسعى البعض للتعامل معه من خلال لحيته أو موقفه العقائدي وتجاهل ما يعمله، فالإنسان يؤخذ ويُذكر بعمله وليس بشكله وانتمائه فقط، ولا سيما إن كان عمله نوعياً ولم يسبق لمن كان قبله أن تمكن من ذلك.

والأمر الأخير الذي أود ذكره والتأكيد عليه، أن الشرع منح الأمل والثقة لشعوب وبلدان المنطقة بإمكانية زوال الظلال الكئيبة والموحشة لهيمنة ونفوذ النظام الإيراني عليها، وأن هذا النظام هو كابوس وبلاء في كل بلد أو مكان يسيطر عليه (بما فيها إيران نفسها)، وإن ما قام به في سوريا يُعتبر بداية لمرحلة تحرير كامل المنطقة من نفوذه، والأيام بيننا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.