﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾
[البقرة: 183]
الصوم هو ممارسة روحية وجسدية موجودة في العديد من الديانات حول العالم، منها:
1. الإسلام: الصوم في رمضان.
2. المسيحية: الصوم الكبير، يستمر لمدة 40 يومًا قبل عيد الفصح.
3. اليهودية: صوم يوم الغفران (كيبور).
بالرغم من اختلاف تفاصيل الصيام بين الأديان، إلا أنه يشترك في كونه وسيلة للتقرب من الإله، والتطهير الروحي، وضبط النفس، وتعزيز الشعور بالتضامن مع الفقراء والمحتاجين.
ولكن بقدرة قادر استطاع المصريون تحويل شهر الصيام إلى شهر الأكل والاحتفال بمباهج الدنيا والفوازير والمسلسلات الرمضانية، فاستهلاك الأكل في رمضان هو الأعلى مقارنة بأي شهر آخر في السنة، كما أن استهلاك الكهرباء يبلغ ذروته بسبب مشاهدة المسلسلات الرمضانية. وانتقلت عدوى مسلسلات رمضان من مصر إلى باقي البلاد العربية، وحتى في نهاية رمضان يتم الاحتفال في مصر بأكل نوع آخر، هو كعك العيد.
والحقيقة أنَّ مسلسلات رمضان لها مميزات كثيرة، إذ أصبح عددها كبيرًا جدًا ويتضاعف كل سنة، خاصة مع زيادة عدد قنوات الإنترنت إلى جانب القنوات الفضائية. وفي نهاية كل مسلسل، ترى على الشاشة عدد العاملين في المسلسل، فيتجاوز المئات وربما الآلاف، وهذا بلا شك يساهم في حل مشاكل بطالة الشباب! كما أنَّ هذه المسلسلات لها فعل السحر في استرخاء الناس بعد الصيام، حيث يتناولون الإفطار، ثم الحلوى كالكنافة والقطايف، ويواصلون الأكل خلال مشاهدة التلفزيون، متناولين المكسرات وقمر الدين والخروب والتمر الهندي، وكل ذلك يساهم في انتعاش الاقتصاد... وأيضًا انتعاش ((الكروش))!
وما يزعجني في مشاهدة المسلسلات هو التطويل والمط غير المعقول. فمنذ يومين شاهدت مع زوجتي مسلسلًا من بطولة ميرفت أمين، وهي ممثلة محترمة ولها تاريخ ممتاز في السينما المصرية، فقلت لزوجتي: "أكيد ميرفت أمين لن تمثل في مسلسل - أي كلام". لكننا فوجئنا بالبطء الشديد وانعدام الأحداث، لدرجة أن ميرفت أمين كانت في أحد المشاهد داخل غرفتها، وأخذت تدور حول نفسها وهي تحاول إجراء مكالمة أو إرسال رسالة، واستمر هذا المشهد لبضع دقائق، ثم توجهت إلى جهاز الشحن لشحن الهاتف، فصاحت زوجتي: "معقول ننتظر ونشاهدها حتى يتم شحن الهاتف؟!".
التطويل الممل في المسلسلات الرمضانية له ميزة كبرى، وهي أنك تستطيع ترك التلفزيون، والذهاب إلى الحمام أو التمشية حول المنزل، ثم تعود لاستكمال المشاهدة من دون أن يفوتك الكثير.
ولكي أفهم فلسفة المسلسلات الرمضانية، قررت إجراء مقابلة صحفية عبر الإنترنت مع أحد مؤلفي مسلسلات هذا العام، الأستاذ الكبير علي عمر محمد، الشهير بـ"علي كاوتش"، ودار بيننا هذا الحديث:
- أهلًا أستاذ علي.
- أهلًا بك أستاذ سامي.
- كنت أشاهد مسلسلك الرائع الكوميدي "زغزغني من فضلك".
- وإيه رأيك؟ حاجة آخر جمال!
- أكيد، لديّ بعض الأسئلة، لماذا اسم شهرتك "علي كاوتش"؟
- آه، هذه حكاية قديمة. أول ما أنهيت دراستي، عملت في توكيل شركة ميشلان لإطارات السيارات، وطبعًا سيادتك عارف أن ميشلان من أكبر شركات المطاط في العالم، وبعدها بدأ أصدقائي ينادونني بـ"علي كاوتش"، ومن يومها أصبح اسم الشهرة.
- وهل ساعدتك خبرتك في المطاط على هذه المقدرة الهائلة في تمطيط المسلسلات؟
- بالتأكيد، خبرتي في أكبر شركة مطاط في العالم أفادتني كثيرًا، ولكن هناك أسباب أخرى.
- تفضل.
- أولًا، شهر رمضان شهر مبارك، وكما نقول دائمًا: "رمضان كريم"، فلابد أن أكون كريمًا في الكتابة! ثم إنه شهر ننتظره من العام إلى العام، وهو يفتح بيوتنا وبيوت كثيرين. شركة الإنتاج تطلب مني قبل رمضان بستة أشهر كتابة 30 حلقة لمسلسل يمتد على 30 يومًا، وطول الحلقة نحو نصف ساعة، أي أننا نتحدث عن عمل فني يستغرق 15 ساعة، أي ما يعادل خمسة أفلام بحجم "لورانس العرب"، وهو من أطول أفلام السينما العالمية. لذا، لابد من مط الأحداث، وأحيانًا مع كثرة المط، يتم قطع المسلسل فأضطر إلى إعادة شبكه مجددًا، وهذه عملية مرهقة جدًا!
- ولماذا لا تكتب مسلسلًا من عشر حلقات فقط؟
- يعني إيه؟! هل تريد أن تقطع رزقنا؟ نحن نتقاضى أجرنا حسب طول المسلسل، وكلما كان أطول، زاد الربح... والرزق يحب الخفية!
- لاحظت وجود عدد كبير جدًا من الأسماء في نهاية المسلسل، حتى إنهم وضعوا أسماء عمال البوفيه وسائقي الميكروباص!
- طبعًا، كما قلت لك، المسلسل يفتح بيوت كثيرين. ثم إن عمال البوفيه والسائقين، أليسوا بشرًا؟ هم مهمون جدًا تمامًا مثل أبطال المسلسل.
- سؤال أخير، هل سبق أن كتبت أفلامًا للسينما؟
- الحقيقة لا... لا أستطيع كتابة فيلم من ساعتين فقط، يداي تعودتا على الكتابة "المطاطة"! ما أنا اسمي "علي كاوتش"!