: آخر تحديث

ترامب وإيران... لعبة "التفريغ" والترويض

4
4
3

منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية الاميركية، وضع الرئيس دونالد ترامب الملف الإيراني كثاني أولوية له في سياسته الخارجية لا يفوقه أهمية سوى ملف إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية كما وعد خلال حملته الانتخابية.

عودة ترامب الى البيت الابيض تزامنت مع ظروف تعد مثالية حيال طريقة التعاطي مع ايران وقضاياها النووية والتوسعية والهيمنة في الشرق الأوسط، فتل ابيب ورئيس حكومتها بنيامين نتنياهو الحليف الاقرب للرئيس الاميركي، ضربت أذرع طهران "الضاربة" على ساحل البحر المتوسط كحماس وحزب الله، ثم جاء سقوط نظام الرئيس السوري، بشار الأسد ليمثل ذروة تقلص التمدد الايراني في الشرق الأوسط.

وبعدما كانت تعد من الدول الاقليمية المؤثرة وصولا إلى تسيّدها اللائحة نتيجة تمكن حلفاءها من السيطرة على القرار في لبنان، وغزة، وسوريا واليمن والعراق، إنقلبت الصورة بشكل جذري منذ السابع من اكتوبر 2023 علما بأن طهران وجماعاتها إعتقدت في هذا اليوم ان "المحور" حقق نصرا إستراتيجيا سيكون له تداعيات كبيرة لسنوات قادمة، وانه أصبح عصيّاً على التفكك او الإنكسار.

لكن التقدم الإقليمي، بدأ بالتراجع رويدا رويدا، فحكومة نتنياهو إتّخذت قرارا حاسما في غزة بإستعادة الهيبة وتثبيت اليد الطولى عسكريا وأمنيا، وحزب الله الذي يعد "درة" التفوق الايراني الذي كان قائما، لم يتمكن من إتخاذ قرار حاسم بدخول الحرب بشكل حاسم فإكتفى بالإسناد ليتبين فيما بعد ان قرار عدم الإنخراط الكامل كان مقتلا لحماس وله في نفس الوقت، لأن تل أبيب تفرغت لتحقيق اهدافها في غزة، ثم فتحت الحرب الشاملة على حزب الله بشكل رسمي في 17 ايلول 2024، وأقصت قادته التاريخيين عن المشهد.

ومع عودة التوتر في غزة وجنوب لبنان، بدأ ترامب يعد العدة فعليّا للتعاطي مع الملف الايراني، ومهد بإستهداف الحوثيين وترسانتهم الصاروخية في اليمن في خطوة ظاهرها الرد على عمليات القرصنة في البحر الاحمر، وباطنها تعطيل اي قدرة لحلفاء طهران للمشاغلة بحال وصلت الدبلوماسية الى حائط مسدود مع النظام الايراني، كما تبلغ العراق الرسالة بضرورة منع الحشد الشعبي من القيام بأي تحرك.

وبلا ادنى شك، فإن دونالد ترامب لا يحبذ استخدام الخيارات العسكرية ضد طهران، وهو يريد حل الأزمات معها بشكل دبلوماسي ولكن من موقع قوة تعتقد الادارة الحالية في واشنطن انها وصلت اليه فعلا بعد الضربات التي تعرض لها النظام الإيراني، سواء التي استهدفت حلفاؤه الذين كان يعوّل عليهم كاوراق رابحة في أي حوار مع الأميركيين كما حدث قبل الاتفاق النووي الاول في زمن الرئيس السابق باراك اوباما، او حتى في الداخل التي تعرض لها كاغتيال رئيس حماس، اسماعيل هنية، وضرب مراكزه الاستراتيجية، والتي كشفت عن خروقات هائلة في المنظومة الامنية، كما ان البيت الابيض يتبع سياسة "التفريغ" من حول طهران، فالانفتاح الايجابي على موسكو في ملف الحرب مع أوكرانيا سيكون له ثمن، والثمن الاول سيكون ضمان عدم وقوف روسيا إلى جانب طهران من أجل تخفيف الضغط عنها، اما الصين فالتجارب اثبتت بأن أقصى شيء يمكن ان تقدمه للدول التي تعد قريبة منها موقف سياسي لا يسمن ولا يغني من جوع.

الرغبة الاميركية في ترويض النظام الإيراني تنبع من ان الاخير قد يشكل عائقا امام التصورات الاميركية للمنطقة، فالبرنامج النووي والقوة الصاروخية يشكلان تهديدا لدول المنطقة، كما ان ترامب يريد اكمال الاتفاقيات الابراهيمية لدفع الشرق الاوسط نحو السلام، وطهران يمكنها المشاغبة بحال اعادت تفعيل نشاط من تعتبرهم الولايات المتحدة وكلاء النظام في المنطقة.

في الخلاصة، لا يريد ترامب اسقاط النظام الإيراني عسكريا بشكل مباشر لما لهذا الخيار من مسؤوليات، وسبق له وان ابدى انتقادات كثيرة لادارة جورج بوش الابن وتعاطيها مع الملف العراقي، لكن الضغوط الكبيرة قد تساهم في سقوط النظام من الداخل، وهذا أمر قد لا تنظر اليه واشنطن بسلبية طالما انه سقط بفعل الضغط الشعبي والرغبة في التغيير، أما القائمون على السلطة في طهران فيدركون ان النظام سيكون على المحك وبموقف لا يُحسد عليه إذا ما قرر الرئيس الاميركي التفرغ له والذهاب نحو النهاية.

 

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.