: آخر تحديث
طريقي

سوريا.. "ال" التعريف تفتح أبواب المجهول!

8
6
5

في تقرير مطوّل نشرته الزميلة الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، يكشف الباحث السياسي السوري سلطان الكنج عن تسجيل صوتي سابق للسيد حسن الدغيم، مسؤول التوجيه المعنوي في الجيش السوري الحر سابقًا، والناطق باسم لجنة الحوار الوطني السوري حاليًا، يقول فيه صراحة: "إن أبا محمد الجولاني (أحمد الشرع) شخص براغماتي، يضحي بأي شيء وأي شخص من أجل الوصول إلى السلطة"!

من حقّ قطاعات كبيرة من الشعب السوري أن تقلق، ومن حق الدول المجاورة أن تتحسب مما تحمله أيام الدولة السورية الجديدة. وتتعمق الريبة أيضًا وأيضًا مع صدور الإعلان الدستوري الذي نصّب رئيس السلطة في دمشق حاكمًا مطلق الصلاحيات. يعيّن ثلث أعضاء السلطة التشريعية (البرلمان)، وكذلك رئيس المحكمة الدستورية، كما منحه النظام الرئاسي سلطة تعيين أعضاء السلطة التنفيذية ورسم خارطة تحرك أعضائها من الوزراء.

في الإعلان الدستوري، الذي وُلد منتصف الشهر الجاري في فترة قياسية لا تتجاوز الأسبوع رغم المخاض العسير للأزمة وترامي أطرافها، أكد في المادة الثالثة منه أن "دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع".

في "ال" التعريف لكلمتي "المصدر الرئيسي للتشريع" يكمن القلق وربما الأزمة. فقد حدّد الإعلان الدستوري إطارًا معينًا لمفهوم الدولة الموعودة في بلاد الأربعين حضارة. ولو جاء نص العبارة: "الفقه الإسلامي مصدر رئيسي للتشريع" لاختلف المعنى وانخفض مستوى القلق. لا أدعي إطلاقًا التعمق في البعد العقائدي، إنما هو عبور سياسي سريع يلحظ أيضًا الفارق بين أن يكون "الفقه الإسلامي" مصدرًا للتشريع، و"الشريعة الإسلامية" مصدرًا للتشريع. والسؤال الكبير هنا هو: أيّ من علماء الفقه سيكون مرجعًا لرئيس الدولة، الذي فتح أسوار دمشق وأزاح أكثر من نصف قرن من الحكم الأسدي البائد برايات هيئة تحرير الشام؟

واضح أن مواقف رئيس السلطة في دمشق، أحمد الشرع، تعكس المصداقية في قوله إن الزمن نقله من ضفة التطرف إلى ضفة الموضوعية فيما يتعلق بالحكم، وواضح جدًّا أيضًا أن سيد قصر المهاجرين لم يتمكن من نقل كل حلفاء السلاح والنصر إلى حيث هي قناعاته الجديدة، وهذا ما يفسر أعمال العنف الوحشية الدامية في عدد من المناطق، وتحديدًا الساحل السوري.

الإعلان الدستوري لم يشق طريقه نحو القبول داخليًّا، خاصة في معسكر الأقليات، كما خيّب آمال الطامحين إلى الدولة المدنية، ولم يواكب مطالب دول الجوار وقوى الأمر الواقع الدولية التي اجتمعت في الأردن في ديسمبر الماضي، وشددت على "أهمية دعم عملية انتقالية سلمية في سوريا تتمثل فيها كل القوى السياسية والاجتماعية، بما فيها المرأة والشباب والمجتمع المدني بعدالة".

أربعة أشهر تقريبًا من الإطاحة بنظام الأسد، لم تتمكن السلطة الانتقالية حتى الآن من كسب ثقة المجتمع الدولي، ولا تزال هيئة تحرير الشام، رغم تقاطر الوفود الدبلوماسية إلى دمشق، منظمة إرهابية وفق التصنيف الأميركي والدولي. ويبدو يومًا بعد آخر أن أولوية الأمن تزحف وبقوة على بساط الأمر الواقع، على حساب الأمل بعدالة انتقالية، وهو الأمر الذي يعزّز توقعات البعض بأن سيناريو إسقاط نظام صدام حسين عام 2003 مرشّح للتكرار، وإن بصورة مغايرة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.