إیران تغلي بثورة جدیدة بما تعني الکلمة. بعد الثورة ضد نظام الشاه في عامي 1978 و1979 نشاهد الآن من جدید أن أبناء الشعب الإیراني خرجوا من أجل تغییر کبیر أي إسقاط نظام ولایة الفقیه.
صحیح أن انتفاضات کبیرة حدثت خلال العقدین الماضیین وأقصد بشکل خاص انتفاضات 2009 و2017 و2019. کل واحدة من تلك الحراکات الشعبیة هزّت أرکان النظام. لکن ما یحدث هذه الأیام في طهران العاصمة والمدن الکبری والصغری الإیرانیة یختلف عن سابقاتها بوقائع تمتازها. بعض هذه السمات یمکن مشاهدتها فی الانتفاضات السابقة أیضاً لکن لم نشاهد جمیع هذه المیزات منذ نهایة عهد الشاه.
قبل ذکر هذه السمات تجدر الإشارة إلی آخر أخبار هذه الثورة بأن عدد الشهداء بلغ أکثر من 180 شخصاً وعدد المعتقلین تجاوز ثمانیة آلاف شخص علی أقلّ تقدیر. الثورة عمّت 146 مدینة کبیرة وصغیرة في جمیع المحافظات الإیرانیة الواحدة والثلاثین.
أول سمة أن هذه الاحتجاجات أنها تجري في العاصمة طهران من شمالها إلی جنوبها ومن شرقها إلی غربها. خلال الأیام الثلاثة السابقة کانت أکثر من عشرین منطقة طهران العاصمة ساحة مظاهرات وشعارات واشتباکات مع القوات القمعیة وعملیات إحراق سیارات الشرطة. کما أن المدینة الثانیة والثالثة والرابعة أی مدن مشهد وأصفهان وتبریز کانت ساحة اشتباکات عنیفة بین المواطنین وقوات أمن النظام. أخریات المدن الکبرى أیضاً کمدن الأهواز وکرمانشاه وأورمیة وشیراز وکرمان ورشت وغیرها انضمّت للثورة.
الجمیع یعرف أن هذه الثورة بدأت بعد قتل الشابّة الکردیة مهسا (جینا) أمیني بید قوات الأمن وبعد ذلك تحرّك المواطنون الکرد في مدن سقّز وسنندج ودیواندره وأشنویة وغیرها من مدن محافظة الکردستان الإیرانیة لکنها بسرعة وخلال یوم واحد توسّعت ساحتها في طهران والمدن الکبری.
وفي هذا المجال یجب الإشارة إلی أن المحافظات الشمالیة المحاذیة لبحر قزوین أي محافظات جیلان ومازندران وجولستان لم تکن خلال الانتفاضات السابقة شاهدة لحراکات واسعة لکن هذه المرّة مدینة رشت التي تعتبر أکبر مدینة في شمال إیران کانت بالکاد أن یسقط بید الثوار. وهذا ما صرّح به محافظ هذه المحافظة.
السمة الثانیة هي أن الشعارات التي رفعها المواطنون کانت منذ البدایة شعارات إسقاط النظام. عادة فی الانتفاضات تبدأ الاحتجاجات بشعارات تتعلق بقضایا اقتصادیة ومعیشیة أو ما شابههما، کما حدث في انتفاضة 2019 التي بدأت بسبب ارتفاع سعر البنزین و من ثمّ تحوّلت إلی شعارات استهدفت أساس نظام ولایة الفقیه. لکن هذه المرّة منذ البدایة وفي أول مظاهرة في مدن کردستانیة بدأ المواطنون مظاهراتهم بشعار «الموت للدکتاتور» و«الموت لخامنئي» و«خامنئي قاتل حکمه باطل» و«الموت للنظام الظالم سواء أکان الشاه او الزعیم» و...
علاوة علی الشعارات التي تستهدف کیان النظام کنماذج مذکورة وماشابهها هذه المرّة بدأت شعارات جدیدة تجاوزت جمیع الخطوط الحمراء کشعار «هذا العام عام الدم، سید علي[خامنئي] سیسقط» و«ویل لکم إذا أخذنا السلاح». وإذا أردنا نقل جمیع الشعارات فأنها ستکون مقالا کاملاً، فننقل بعضاً منها من التي تتردد منذ الیوم الأول وفي جمیع أنحاء إیران:
سأقتل من قتل أختي
تبّاً لنظام ولایة الفقیه
الموت لخامنئي اللعن لخمیني
الموت لخامنئي ورئیسي
علی الملال أن یرحلوا من السلطة
الموت لأصل نظام ولایة الفقیه
لن تفیدهم الدبابات والمدافع یجب علیهم الرحیل
عدونا هنا کذباً یقولون أنه أمریکا
نناضل ونقاتل ونستعید وطننا إیران
خامنئي أیها الضحّاک سندفع بک تحت التراب
نحن أهل للحرب والقتال ونتحداکم للقتال
عار علینا زعیمنا الوغد
مجتبی [ابن خامنئي] علیه أن یموت ولن یصل إلی القیادة
کل هذه السنوات من الجرائم الموت لهذا الحکم
الفقر والفساد والاستبداد الموت لهذا النظام
السمة الثالثة لهذه الثورة أنها منظّمة. ولایمکن استمرار ثورة بهذا الکمّ والنوع ولمدة عشرة أیام إلا إذا کانت منظمة. والتنظیم یأتي من وحدات المقاومة ومعاقل الانتفاضة التابعة لحرکة مجاهدي خلق التي کانت تعمل منذ سنوات في عملیاتها ونشاطاتها لکسر جدار الخوف. والعملیات التي یقوم بها شباب الثورة في جمیع المدن هي نفس العملیات التي کانت وحدات المقاومة تنفّذها خلال هذه السنوات.
في الانتفاضات السابقة أیضا کانت لها دور، لکن هذه المرّة جاءت هذه الثورة بعد تسعة أعوام من نشاطات وحدات المقاومة باستمرار، لعبت هذه الواحدات في هذه الانتفاضة دورًا بارزًا مختلفا عن السابق.
في عام 2021 تواصلت من خلال الانترنت حوالي ألف من هذه الواحدات مع المؤتمر السنوي العام للمقاومة الإیرانیة في یولیو من العام الماضي. هذا العام استطاعت حرکة مجاهدي خلق من زیادة وتوسیع هذه الوحدات حیث أن خمسة آلاف منهم تواصلت مع المؤتمر السنوي للعام الحالي في شهر یولیو الحالي.
وإذا نظرنا إلی ادبیات النظام هذه الأیام نجد أن جمیع قادة النظام من إبراهیم رئیسي وأحمد وحیدي وزیر الداخلیة إلی محمد باقر قالي باف رئیس المجلس وتقریبا جمیع أئمة الجمعة أکدوا علی هذا الواقع. وفي المظاهرات المضادة التي نظّمها النظام یوم أمس في طهران وبعض المدن الأخري الشعارات کانت ضد مجاهدي خلق.
هناك سمات أخری أیضاً مهمة في هذه الثورة منها:
- تقدّم العنصر النسائي ودور المرأة في قيادة هذه الانتفاضة. هذا الواقع یظهر من خلال الأفلام والحقائق الميدانية حیث لعبت النساء دوراً هاماً . ونسبة کبیرة من المعتقلين أيضًا من النساء ... أؤكد أن هذه إحدى سمات الانتفاضات الإيرانية التي يبرز فيها دور المرأة.
- مشارکة عامة للطبقة الوسطی في الإنتفاضة: في انتفاضة عام 2009 کانت الطبقة الوسطی فی الساحة لکن فقط في طهران. هذه المرة جاءت الطبقة الوسطى والمثقفون والطلاب إلى الساحة، وفي جميع المدن. کما أن في طهران وجميع المدن الكبرى، انضمّت الجامعات أيضًا إلى الانتفاضة.
- میزة اخری هي أن الشعارات شلمت نفي نظامي الشاه والشيخ یعني النظام الحالي والنظام السابق علی المستوی الشعبي في جمیع الإحتجاجات بشکل واسع، والمنتفضون يقولون بوضوح بإننا لا نريد هذا النظام کما لا نرید النظام السابق ويؤكدون أننا لا نريد العودة إلی الماضي.. بل نرید الحرية وجمهوریة ديمقراطية.
- سمة أخری أیضاً مهمّة دخول جیل جدید من الشباب إلی الساحة وهم الشباب المولودین في العشر الثامن من القرن السابق الهجري الشمسي أی من 1381 إلی 1390؛ ما یعادل من 2000 إلی 2010. هذا الجیل الذي یعرف في أدبیات هذه الأیام بجیل الثمانیني، هم الذین ملؤوا الشوارع.
- السمة الأخیرة هي أن ألثوار وخاصة «الجیل الثمانیني» کانوا في الاشتباکات في موقف هجومي أمام قوات القمع ولیس في موقف دفاعي. ونری في کثیر من المشاهد أن قوات القمع یتراجعون من المواجهة و یهربون من الساحة.
هناك سمات أخری أیضا لکن مجموعة هذه المیزات لهذه الثورة تقول لنا إنها لن تهدأ. وفي نهایة المطاف حتی ولو تهدّأت لفترة بسیطة بفعل القمع فإنها ستنهض من جدید حتي یقضي علی نظام الملالی الکهنوتیین وإقامة جمهوریة دیمقراطیة حرة. إنهم یرونه بعیدا ونراه قریبا.