: آخر تحديث

الإمام الحسين، المعنى والخرافة

215
229
216

حين كنت صغيراَ ترسخ في ذهني ان الحسين صديق ذلك الرجل "الريزخون" الذي يصعد المنبر لكي يندب الحسين، ويُبكي الناس أيام شهر عاشوراء في مجلس العزاء، كنت أرى بعضهم يبكي حتى الإعياء، فينتابني خوف غريب وشعور بعظمة تلك المأساة.

   مهرجان مغطى بالمصابيح المعلقة والقماش الأسود، كان الرجل بعمامته السوداء ووجهه الأبيض وروحه البكائية وهو ينعي الحسين، ينطوي على مسحات كأنه مصاب بفاجعة فقدان قريب أو صديق، وما كنا ندرك شيئا سوى الإستجابة الدامعة لكلمات وجمل ونشيج الباكين، فنشاركهم ذلك البكاء دون وعي سوى أننا بين رجال كبار أشداء لم نراهم يبكون سوى في مأتم "الحسين"!
كان موعدا سنويا تذرف فيه العيون خلال عشرة ايام ماتجمع من دموع في عام كامل، وهل كانوا يبكون للحسين أم رثاء ً لأنفسهم أيضا ً..؟ 
 
كبرنا وعرفنا ان الإمام الحسين ليس فكرة للبكاء والنحيب ولطم الصدور، إنما هو قضية تحريرالإنسان من الخوف، (ان لم تكونوا اتقياء في دينكم، فكونوا أحرارا في دنياكم)، الحسين مفهوم شامل للكرامة وتحقيق ماهو مشرّع في قوانين الرب، بل هو التجسيد العملي لمفهوم الزعيم الثوري الطامح لتغيير نظام الإستبداد بآخر يؤمن بالعدالة والجمال وسلطة الحق،  معاني أخلاقية وأخرى رسالية إسلامية، وثالثة تذهب لصياغة معنى الحرية في الذات الإنسانية.
 
عرفنا أيضا ان المتسلطين يتوسلون الدين ويسخرون قضية "الحسين " في مواكب ومراسم لاتقدم للناس شيئا من تلك المبادئ التي افداها الإمام بروحه واصحابه وأهل بيته، لايبرزون من قضية "الحسين" سوى الجوانب التي تؤكد سلطتهم، وتعمق التخلف والجهل لدى الجمهور الشعبي في مفهوم" الحسين " وتكرسه كمفهوم ديني غريب يقوم على ممارسات " مازوشية" تستعرض على نحو دموي.
 
 سلوكيات تستحضر في غرائبيتها أعمق زوايا الخرافة والأوهام، تآمر مذموم لسلوك تسلطي يقاطع مفهوم أطهر ثورة وأعظم شهيد في تاريخ الإسلام بعد الرسول والخلفاء الأربعة .
 المتسلطون أحالوا دلالات الثورة الحسينية الى ولائم استعراضية  للطعام المهدور ومجالس بكاء، في نفاق مكشوف للدجل السياسي وخداع الجمهور البسيط، وأسدلوا الستار على الجوانب الثورية، وقضايا التحرر والكبرياء والتغيير، والعدل والعدالة والتصدي والشجاعة والجهاد في سبيل الحق وفي سبيل كرامة الإنسان ونصرة المظلوم...الخ
 
الممارسات الضارة والدموية مثل شج الرؤوس بالسيوف والسكاكين وضرب الظهور بالسلاسل (الزنجيل) المقترنة قسراَ بذكرى "الحسين"، والمنقولة عبر الفضائيات، تعد فارقة حضارية وانسانية تخلخل كثيرا من تلك المعاني التي شرعتها ثورة سيد الشهداء، خصوصا للجمهور الذي لم يطلع على بنود تلك الثورة وتفاصيلها التراجيدية وآثارها في التاريخ، وجلً ما اخشاه ان يصار الى الربط بين تلك المراسيم " الدخيلة " التي تبثها الفضائيات، وما علق في ذهن الجمهور عن مجازر " داعش ".
 
الآن ينبغي ان ندافع عن الحسين وقضية الحسين والشرف الذي منحه الحسين للتاريخ، وذلك في استكناه مبادئه العظيمة وروح الثورة ضد الإستبداد، وتحرير مفهوم الحرية من تأثيرات الزوائد الدينية الطائفية "الخرافية"، لأن الحسين ليس صديقاً لرجل الدين الذي يبكي الناس في شهر محرم، انما هو صديق لجميع الأحرار في العالم .
السلام على الحسين بن علي في ذكرى خلوده .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في