: آخر تحديث

مبادرة «تَحَرٍّ» لتعزيز المصداقية الإعلامية

3
2
3

تغريد إبراهيم الطاسان

تشهد المملكة اليوم تنوعًا لافتًا في المبادرات التي تطلقها القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية، في مشهد يعكس الحراك الوطني المتسارع نحو التطوير والابتكار. فمن الثقافة إلى التقنية، ومن الاقتصاد إلى التعليم والإعلام، باتت المبادرات الوطنية تتنافس فيما بينها لتقديم الأفضل، وتعمل بروح مشتركة تشجّع على الارتقاء بجودة الخدمات، وتمكين المجتمع، وتعزيز حضور المملكة في مختلف المجالات.

هذا التنافس الصحي لم يعد مجرد نشاط جانبي، بل أصبح سلوكًا عامًا يعبر عن بلد يؤمن بأن المستقبل لا يصنعه قطاع واحد، بل يصنعه الجميع عندما يتشاركون الرؤية والطموح.

وفي قلب هذا الزخم الوطني، تبرز المبادرات الإعلامية بوصفها إحدى الركائز المؤثرة في تشكيل الوعي العام، وتوجيه الخطاب المجتمعي، وصناعة محتوى يخدم الحقيقة ويحمي المصلحة العامة.

فالإعلام اليوم لم يعد مجرد ناقل للأخبار، بل أصبح شريكًا في البناء، ومسؤولًا عن ترسيخ قيم المصداقية، والموضوعية، والالتزام بالمعايير المهنية، خاصة في زمن تتسارع فيه المعلومات وتكثر فيه مصادرها وتتشابك أدوات إنتاجها.

وسط هذا المشهد، جاءت مبادرة «تَحَرٍّ» التي يشرفها عليها الدكتور عبدالله الحمود الأكاديمي والرائد الإعلامي المعروف، لتقدّم إضافة نوعية للمجال الإعلامي السعودي، من خلال التركيز على تعزيز الدقة والموثوقية، وتطوير المهارات المهنية للعاملين في صناعة المحتوى، ورفع مستوى الوعي لدى الجمهور حول كيفية التعامل مع الرسائل الإعلامية.

المبادرة لا تكتفي بطرح طموح فكري، بل تبني جسورًا بين القطاعات، وتقترح أدوات عملية لتحسين المنظومة الإعلامية في بعدها المهني والأخلاقي.

وتنبع أهمية «تَحَرٍّ» من كونها تعمل في مساحة حسّاسة، حيث تتلاقى المعرفة التقنية مع أخلاقيات الإعلام، ويتداخل الفعل الاتصالي مع التفاعل الجماهيري في منصات رقمية لا حدود لها.

فهي تمنح المؤسسات الإعلامية أفقًا جديدًا لممارسة أكثر احترافية، وتعيد التذكير بأن الإعلام مسؤولية قبل أن يكون مهنة، وأن نجاحه يرتبط بقدرته على التقاط الحقيقة دون تهويل، وعلى تقديم المعرفة دون انحياز، وعلى احترام عقل المتلقّي في كل ما يُنشر ويُتناول.

كما تحمل المبادرة قيمة أدبية وفنية واضحة، إذ تعيد الاعتبار لفكرة التحرّي بوصفها منهجًا أصيلًا في العمل الإعلامي الرصين، وتعيد للمهنة جمالياتها القائمة على البحث، والتحليل، والقراءة الواعية للسياقات، بدلًا من التسرع أو الانجراف وراء الإثارة العابرة.

هذا البعد الإبداعي في المبادرة يعكس وعيًا متقدمًا بدور الإعلام في تشكيل الذائقة العامة، وتطوير الخطاب، وحماية المجال العام من التشويه أو التضليل.

ولعل ما يميز «تَحَرٍّ» أيضًا هو شموليتها في استهداف مختلف القطاعات: الحكومية، والخاصة، وغير الربحية، إضافة إلى المؤسسات التعليمية والإعلامية، وهو ما يجعلها منصة جامعة يمكن أن تتقاطع عندها الجهود، وتتكون عبرها منظومة إعلامية أكثر أمنًا ونضجًا وفاعلية.

فالإعلام -حين يعمل بشكل منسق ومسؤول- يصبح رافدًا للتنمية، وركيزة للاستقرار، وجسرًا بين المجتمع ومؤسساته.

إن انطلاق مثل هذه المبادرات النوعية يعكس روح المرحلة التي تعيشها المملكة اليوم، وهي مرحلة تستند إلى رؤية 2030 التي منحت الجميع فرصة لإطلاق أفكارهم ومشاريعهم ومبادراتهم دون قيود، وجعلت من الإبداع مسؤولية وطنية مشتركة.

فالرؤية لم تغيّر شكل الاقتصاد فقط، بل غيّرت طريقة التفكير، ومنحت المجتمع إيمانًا بأن الوطن للجميع، وأن كل من يحمل فكرة صادقة يستطيع أن يجد مكانه فيها.

ولهذا، تبدو مبادرة «تَحَرٍّ» مثالًا حيًا على الكيفية التي يمكن للمبادرات الوطنية أن تتكامل فيها، وأن تصنع فرقًا حقيقيًا في بيئة تحتاج إلى الموثوقية بقدر حاجتها إلى التطوير.

هي إضافة للمشهد الإعلامي، وإشارة إلى أن المستقبل الإعلامي السعودي يُبنى اليوم على أسس أكثر وعيًا واحترافية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد