: آخر تحديث

ماليزيا ليست الأولى ولن تكون الأخيرة

2
2
2

سليمان جودة

الحالة الماليزية ليست الحالة الأولى، التي توضع فيها منصات التواصل الاجتماعي في قفص الاتهام، فمن قبل رأينا منصات التواصل في أكثر من قفص، وسوف نظل في الأغلب نراها في القفص نفسه، إلى أن توضع لها ضوابط ومعايير صارمة. الحكومة الماليزية قررت منع الذين هم دون 16 عاماً من فتح حسابات على مواقع أو منصات التواصل، ونقلت وكالة «رويترز» عن فهمي فاضل، وزير الإعلام الماليزي قوله، إن قرار الحكومة راجع لحجم الأضرار الضخمة، التي تصيب الأطفال من جراء التعرض لهذه المواقع، وإن الأضرار تبدأ من التنمر، وتمر بالاحتيال المالي، وتنتهي بالاستغلال الجنسي، ولا تتوقف عند هذه الصور الثلاث، ولكنها تتجاوزها لغيرها من أشكال الاستغلال.

وعندما تتخذ دولة مثل ماليزيا قراراً كهذا، فالمعنى أن الحكومة فيها لم تستيقظ فجأة لتقرر ذلك، وإنما لديها أجهزة مختصة راقبت ورصدت، ثم وضعت حصيلة الرقابة والرصد أمام الحكومة، وكان على الحكومة من بعد ذلك أن تتصرف بمقتضى ما تحمله من مسؤولية.

وإذا كانت ماليزيا قد قررت أن تكون البداية مع أول السنة الجديدة فهناك في المقابل حكومات أخرى بدت وكأنها ترى أن القضية لا تحتمل الانتظار حتى أول السنة، وأنها تضغط وتُلح بما يفرض عليها كونها حكومات مسؤولة أن تبادر بسرعة إلى منع الأطفال لديها من الوجود على مواقع التواصل. من هذه الحكومات أستراليا وفرنسا وإيطاليا، وكلها قررت أن تكون البداية في 15 ديسمبر، ولأن الأمر في يد الشركات التي تملك المنصات والمواقع فإن الحكومة الأسترالية مثلاً دعت الشركات إلى الالتزام، ثم جعلت دعوتها مقترنة بتلويح تفهمه الشركات جيداً، لأنه ذو طابع اقتصادي خالص. قالت الحكومة في أستراليا، إن الشركة التي لا تلتزم بما تقرره السلطات ستخضع لغرامة قدرها 50 مليون دولار أسترالي.

والذين يتابعون هذا الملف يعرفون أن البرازيل لها تجربة، وأنها كانت قد فرضت غرامة ضخمة على شركة من الشركات المالكة لأحد المواقع، ولم تجد الشركة مفراً من الدفع والامتثال، لأن البديل كان منعها من العمل في البرازيل تماماً.

وقد كان الأديب الإيطالي، أمبرتو إيكو، هو أقدر أدباء العالم تعبيراً عن الخطورة، التي تمثلها مواقع التواصل على الجميع، فضلاً عن خطورتها على الأطفال الذين هم دون السن. كان تقديره أن هذه المواقع ميدان مفتوح للكثير من جماعات الحمقى، وأن لنا أن نتصور معه كيف يكون الحال في مجال يحتشد فيه حمقى كثيرون من كل اتجاه؟

هذه صورة تتأملها فتكتشف أنها دقيقة للغاية، وأنها معبرة عن واقع الحال الذي نراه ونتابع تفاصيله على أفضل ما يكون التعبير، فأنت في الكثير جداً من الأحيان تقرأ كلاماً منشوراً على موقع من مواقع التواصل هنا، أو موقع آخر هناك، فتتساءل بصدق: كيف يتم نشر مثل هذه الرداءة وقلة الأدب على الناس؟ وما ذنبهم في أن يفتحوا هذه المواقع فتقع أعينهم على ما يخلو كلياً من أي ذوق، أو احترام، أو قيمة؟

لا ذنب لهم طبعاً، ولكن الذنب ذنب الحكومات، التي تملك السلطة، وتجلس في مواقع المسؤولية، ثم لا تلزم الشركات المالكة للمواقع بما لا بد من الالتزام به تجاه الآخرين. هذا كله يدعو الحكومات العربية إلى أن تدخل هذه الدائرة، ولا مبالغة في القول إننا في المجتمعات العربية أولى بوضع الضوابط من أي حكومات أخرى خارج المنطقة العربية، ففي دول مثل ماليزيا أو فرنسا أو أستراليا أو إيطاليا يوجد مستوى من التعليم الجيد، الذي يمنح الناس هناك وعياً أعلى، وهو مستوى ليس متاحاً في أغلبية الدول العربية، وحين لا يكون الوعي الكافي متاحاً فإن مفسدي منصات التواصل يعربدون كما يحبون. إذا كانت ماليزيا أحدث الدول التي تحركت ولسان حالها يقول «بيدي لا بيد مواقع التواصل»، فهي لن تكون الدولة الأخيرة، لأن بلايا المواقع والمنصات غير المنضبطة زادت حتى فاضت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد