قبل أن نهتم بما إذا كان ترمب سيجرّم جماعة «الإخوان المسلمين» أم لا، علينا أن ننظر إلى أنفسنا ودولنا، ونرى كيف واجهنا نحن هذه التنظيمات، وهل انتهينا نحن من تبعاتها وأثرها وجرائمها، وهل أتممنا معركتنا ونستطيع أن نحمي أجيالنا القادمة منها، أم أن معركتنا معها في دولنا كانت مجرد فاصل ونواصل!
تجريم جماعة الإخوان المسلمين في الدول العربية تم قانونياً، وجاء متأخراً جداً، إنما نحن نعلم أن ملاحقة زعماء وكوادر تلك التنظيمات إجراء أمني يلاحق الأشخاص لا الأفكار، فالأفكار ما زالت تروج، ولديها مشروعها بأنه يوماً ما ستكون هناك دولة الأمة، أو دولة القومية، أو دولة الاشتراكية، أو حتى اللادولة، كما تدعو الجماعات اليسارية المتطرفة. جميع تلك التيارات الفكرية والجماعات ترى أن «الدولة الوطنية» عدو وخصم، وعائق لا بد من إزالته، يحول بين الشعوب ومشروعها، فالعقيدة التنظيمية السياسية التي انطلقت منها تلك الجماعات تقف على الجهة المضادة لـ«الدولة الوطنية».
فكذلك كانت التنظيمات الشيوعية والاشتراكية وحتى القومية، كلها كانت ترى في الدولة الوطنية خصماً يجب تفتيته وهدمه فكرياً وعقائدياً وتفكيك بنيته المؤسساتية، وأي نظام سياسي كان يقف عائقاً أمام هدف التفكيك، هو رجعي في نظر هذه التنظيمات، أما في نظر التنظيمات الإسلامية فهو عدو للإسلام.
أما «الدولة الوطنية» فظلت خجلة من طرح نفسها بديلاً، والإعلان عن نفسها للأجيال الجديدة بوصفها وعاء وانتماء وهوية جامعة لأبنائها.
سابقاً لم تبادر دولة من دولنا إلى تعزيز مفهوم ومعنى «الدولة الوطنية»، مقابل فكر الجماعات الإسلامية أو القومية منها، خشية اتهامها بتلك التهم الملتصقة والمعلبة والجاهزة؛ بل كثيراً ما رددت معها وعززت مفهوم الأمة والقومية، وكل جامع ممكن أن يكون قاسماً مشتركاً، حتى إن كان مبدأ اقتصادياً كالاشتراكية، خوفاً من مواجهة تلك الجماعات التي أعجبت بأفكارها أجيال عربية لعقود وتربت على طاعتها وحمايتها، بالمقابل فإن الحكومات والأنظمة أرجأت مفهوم «الدولة الوطنية»، ولم تقدمه فكراً بديلاً للفكر الآيديولوجي، ولم تتبنَّه الدول العربية مشروعاً يقدم للأجيال منذ صغرهم يشكّل لهم حصناً وقلعة تحميهم من الاختطاف وتشتيت الهوية.
كانت الدولة الوطنية؛ فكرةً ثم مشروعاً، لا تعرف كيف تدافع عن نفسها أمام طوفان العقائد، والهويات التي تتخاطف عقولنا يمنة ويسرة، فوجدت التنظيمات فضاء خالياً وأرضاً عذراء، فطرحت نفسها وأجادت في تقديم نفسها وصنعت لنفسها المشروعية، فأصبح كل من يجرؤ على أن يقدم مصلحة لوطنه على مصلحة لأي من الدول الأخرى في مشروع الأمة أو القومية، هدفاً للإقصاء والتحطيم، وهو عدو الأمة. لذا، كان علينا أن ندوس على أي مصلحة وطنية خاصة مقابل مصالح دول أخرى.
لا بد للدول العربية أن تنحاز لـ«الدولة الوطنية»، وتعمل على إعادة الاعتبار لها، وجعلها أولوية من دون حرج أو تردد.
فقبل أن ننتظر تجريم تلك الجماعات من قبل أميركا أو الغرب عموماً، التي استنزفت مشاعرنا ومقدراتنا، وبعد أن جرمت تلك الجماعات وتمت ملاحقة قادتها، علينا أن نملك الجرأة لجعل «الدولة الوطنية» المشروع الأول للدولة بجميع مكوناتها، تضع له القواعد والأساس ويقدَّم للأجيال، نعيد فيه ترتيب البناء الفكري لشبابنا، فنجعل الدولة الوطنية فخراً وانتماء له، ولا يستحي ولا يخشى أن تكون لها الأولوية في المقام عنده تتبدى مصلحتها فوق أي اعتبار، وعلينا أن نقدم فكرة لتحل محل الأخرى، ومشروعاً ليحل محل المشروع الآيديولوجي السابق.

