تجربة د. عمر ياغي تعكس جوهر التحول الوطني في رؤية المملكة، القائم على بناء الإنسان وتمكينه بالعلم والمعرفة، فالسعودية، بفضل إرادتها السياسية واستثماراتها في التعليم والبحث والتطوير، تمضي بثقة نحو مستقبل تكون فيه شريكًا فاعلًا في صناعة المعرفة العالمية، لا مجرد مستفيد منها..
في مسيرة الدول الطامحة إلى الريادة، لم تعد الثروات الطبيعية كافية لتحقيق التنمية، إذ أصبح العقل البشري الثروة الأهم، والاستثمار فيه هو الأساس لبناء مستقبل مستدام. وفي ظل رؤية السعودية 2030، أدركت المملكة أن طريق المستقبل يمر عبر المعرفة والابتكار، وأن النهضة الحقيقية تبدأ حين تُمنح العقول البيئة التي تُلهمها للإبداع.
من بين النماذج البارزة التي تجسد هذا التحول نحو اقتصاد المعرفة، تبرز قصة العالم السعودي الدكتور عمر ياغي، أحد أبرز علماء الكيمياء في العالم، والحاصل على جائزة نوبل البديلة لعام 2025، ففوزه لم يكن إنجازًا فرديًا فحسب، بل يعكس نجاح رؤية وطنية تسعى إلى جعل المملكة مركزًا عالميًا للبحث العلمي واستقطاب الكفاءات.
يُعرف الدكتور ياغي بابتكاره الإطارات المعدنية العضوية (MOFs)، وهي مركبات تُستخدم في تخزين الطاقة وتنقية المياه واحتجاز الغازات الضارة، وتُعد من الحلول الرائدة في مواجهة التحديات البيئية العالمية، وبعد مسيرة حافلة في كبرى الجامعات الأميركية، اختار الانضمام إلى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، التي تُعد من أبرز صروح البحث العلمي في المنطقة.
في كاوست، لم يكن ياغي مجرد اسم يُضاف إلى قائمة الباحثين، بل أصبح شريكًا فاعلًا في تطوير المنظومة العلمية السعودية، ومصدر إلهام لجيل جديد من الباحثين الشباب، وأسهم وجوده في تعزيز مكانة الجامعة كمركز بحثي عالمي يجمع بين الكفاءات المحلية والدولية في بيئة محفزة للابتكار.
وتأتي هذه القصة لتسلط الضوء على توجه المملكة الجديد في استقطاب العقول، فالسعودية لم تعد تكتفي بابتعاث طلابها إلى الخارج، بل تعمل على جذب العلماء والخبراء الدوليين إلى جامعاتها ومراكز أبحاثها، وقد أطلقت عدة برامج نوعية مثل "الباحثين المتميزين عالميًا" و"استقطاب الحاصلين على جوائز علمية مرموقة"، فضلًا عن دعم الشراكات البحثية الدولية التي تعزز تبادل المعرفة والخبرة مع أبرز مؤسسات العالم.
هذا التوجه لم يكن حاضرًا بهذه القوة قبل عقد من الزمن، أما اليوم، فإن المملكة تسعى بوضوح لتكون منصة عالمية للابتكار والإنتاج المعرفي، لا مجرد مستهلك للتقنية، واستقطاب عالم بحجم عمر ياغي في وقت فوزه بجائزة دولية مرموقة، يوجّه رسالة بأن السعودية أصبحت وجهة جاذبة لأفضل العقول العلمية، بما توفره من دعم وتمكين وبيئة بحثية عالمية المستوى.
ولا يقتصر أثر هذه الخطوات على المؤسسات الأكاديمية، بل يمتد إلى الشباب السعودي، الذي يرى اليوم أن النجاح العلمي لم يعد مرتبطًا بالهجرة إلى الخارج، بل يمكن تحقيقه من داخل الوطن. فحين يعمل عالم عالمي في جامعة سعودية ويحصد أرفع الجوائز، فإن ذلك يبعث برسالة أمل مفادها أن الطموح لا حدود له في السعودية الجديدة.
إن تجربة الدكتور عمر ياغي تعكس جوهر التحول الوطني في رؤية المملكة، القائم على بناء الإنسان وتمكينه بالعلم والمعرفة. فالسعودية، بفضل إرادتها السياسية واستثماراتها في التعليم والبحث والتطوير، تمضي بثقة نحو مستقبل تكون فيه شريكًا فاعلًا في صناعة المعرفة العالمية، لا مجرد مستفيد منها.
إنها قصة نجاح فردي تحمل في طياتها تحولًا وطنيًا شاملًا، وتؤكد أن الاستثمار في العقول هو الطريق الأكيد للريادة، ومع تسارع الجهود في تطوير منظومة البحث والابتكار، تبدو المملكة اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق هدفها في أن تكون واحدة من أهم مراكز المعرفة في العالم.