محمد سليمان العنقري
الساحة الاعلامية تزدحم بالآراء والاستفسارات والنصائح بمختلف المجالات، لكن الحديث هنا عن الاقتصاد وعالم الاستثمار والمال والأعمال فقد أصبح الاعلام الجديد المتمثل بوسائل التواصل الاجتماعي ميدانا خصبا لملايين الرسائل بمختلف أنواعها مع تقديمها بأسلوب جاذب لأكبر عدد من المشاهدات لكن الاشكالية عند المتلقي هو أن هناك تباينا بالآراء كبيرا جداً، وكلها تقدم بأسلوب يدغدغ المشاعر فيصبح من يبحث عن رأي أو نصيحة في حالة من الارتباك ولا يمكنه ان يأخذ قرارا يناسبه..
فهناك من يقول لك (اشتري الذهب) لأن الدولار مستمر بفقد قيمته ويبدأ بإعطاء أرقام بعيدة للأسعار ارتفاعاً، علماً بأن أغلب النصائح ظهرت مؤخراً عندما قارب 4000 دولار للاونصة ثم تجاوزها حالياً، لكن هناك قليل من ينبه أن الذهب ارتفع 60% من بداية العام فالنصيحة الصحيحة كان يفترض أن تقال في العام الماضي، ومن نبه له في ذلك الوقت هو من يمكن اعتباره صاحب خبرة عملية، وبنفس الوقت هناك من يقول في آرائه (لا تشتروا الذهب) لأنه ليس استثمارا يدر عوائد وأن ارتفاعاته غير مأمونة إذا زالت أسبابها، ولذلك يقع المتلقي في حيرة، فمن يصدق وماذا يقرر، فمن وقائع سابقة كلما تضخمت الأصول وأسعار السلع تظهر تحليلات تريد ترسيخ فكرة أن أسعارها مازالت رخيصة ويبدؤون بنسج او تناقل سيناريوهات وأسباب لاقناع العامة بالدخول فيها.
فهناك مثلا سوق الأسهم السعودي عام 2006 عندما بلغ مكرره فوق 45 مرة، وكان هناك الكثير من المديح للفرص فيه دون النظر بأن الأساسيات كانت تقول عكس ذلك، بدايةً من العائد على السعر السوقي عند حوالي 1 بالمائة مقابل فائدة 6 بالمائة والمكرر المرتفع لصافي الربح وللقيمة الدفترية قياساً بالاسعار، وكذلك عالمياً ظهرت فقاعة الدوت كوم عام 2000 والرهون العقارية 2008 والعديد من التجارب التي مر فيها العالم سابقاً ودائماً كان المديح وتبرير الارتفاعات عند اعلى مستويات الفقاعة.
وذات الأمر ينطبق على الاستثمار في أسواق المال، فهناك العديد من نصحوا الناس بالخروج من السوق السعودي أو عدم الاستثمار فيه عندما كان بمرحلة تجميعية عند مستويات حول 10500 نقطة، حيث كان السوق الوحيد المتراجع بعكس أسواق المنطقة والعالم ، حيث أصاب الملل المتداولين وشعر أغلبهم بأن هناك استمرارية للتراجع، وكأن سببا غير معلوم يضغط على السوق، وقدمت أسباب عديدة، وكان ذلك في الربعين الثاني والثالث من هذا العام، إلا أن السوق فاجأهم وارتفع باكثر من 11% في أسابيع قليلة وكانت الاصوات التي نبهت الى ان السوق مليء بالفرص وانه بمرحلة اعادة تمركز قليلة، فبالتأكيد لون الشاشة سيكون اكثر تأثيراً على قرارات الافراد، ولذلك صدى صوت من نصح بالخروج حينها يصبح اكثر ملامسة لمشاعر المستثمر، لكن: هل هذه النصائح التي ثبت بعدها عن الواقع وانها نابعة من العاطفة كانت تعبر عن خبرة حقيقية ؟ غالباً الجواب لا فكثرة المنشورات والمقاطع التي تبث وتركز على السلبية تجعل المستمع في دوامة وتحت ضغط يبعده عن التفكير بواقعية واتباع التحليلات العلمية النابعة من خبرات حقيقية..
كما تكثر في وسائل التواصل اقتراحات لأنظمة وتأسيس مراكز حكومية تعنى بجوانب معينة من الاسواق وقطاعات الاعمال او لمراقبة اداء الاقتصاد والسوق دون أن يكون هناك اطلاع واسع على الهيكل التنظيمي للجهات المعنية بالشأن الاقتصادي؛ فأغلب ما يقترحون تأسيسه موجود أساساً بهيكل الوزارات أو بهيئات حكومية وهناك تقارير دورية تصدر عنها توضح ببياناتها تفاصيل كل ما يدور بالاقتصاد، إضافة الى أن ما شهدته المملكة منذ اطلاق رؤية 2030 غير مسبوق عالمياً بعدد الانظمة والتشريعات التي صدرت او عدلت، وهي من ساهمت بجانب خطط الانفاق والاستثمار الكبيرة الى أن ينمو الاقتصاد الوطني باكثر من 70 بالمائة في بحر 8 سنوات ليصل الى 1،2 تريليون دولار حالياً ..
خلاصة القول، السوق يؤخذ من التجار ولا يفترض أن ينجرف أحد لأي نصبحة او رأي على انه صائب في حالات يكون الجانب العاطفي طاغيا على قرارات الفرد في ادارة امواله بل يجب أن يبحث بنفسه عن كل ما يساعده باتخاذ قراره الصحيح، إذاً «لا يمكن الاعتماد على منشور او مقطع مصور ليكون أساسا في اتخاذ قراراتك» فهي مجرد آراء تعكس خبرة صاحبها، كما أن نشر افتراحات لتطوير عمل جهة او سن أنظمة يفترض أن يكتب بعد أن يبحث ناشرها ويتأكد بأن ما سيقترحه غير معمول به حتى لا يكون الطرح لمجرد إثبات القدرة على امتلاك النظرة الشاملة في التطوير، فالجهات الرسمية أشبه بورش عمل دائمة وهذا ما تثبته أي مراجعة لعدد الأنظمة والتشريعات والهيئات والمراكز التي أسست للنهوض بالاقتصاد نحو مستقبل يتماشى مع تنافسية القرن الواحد والعشرين.