ليلى أمين السيف
في زمنٍ صار فيه الحصول على مرافق شخصي ترفًا لا يحظى به إلا كبار الشخصيات، يسعدني - أو لنقل يضايقني - أن أعلن عن مرافقي الشخصي الجديد: الذبابة، ذات الأجنحة الرشيقة والطموحات اللزجة!
البداية: الحي القديم و»خدمات الإيجار الشاملة» في بيتي القديم، في الدور الأرضي، كانت الحشرات جزءًا من عقد الإيجار. ندفع إيجارًا ونأخذ باقة كاملة من الذباب، الناموس والفراشات والنحل، ونخبة جيدة من الحشرات السويدية الأصل ويمكن المهجنة أيضاً. كان الوضع حينها طبيعيًا، كأنهم من سكان الحي القدامى.
لكن بعد الانتقال إلى الدور الثالث، ظننت أنني ارتقيت. طموحاتي كانت بسيطة: هواء أنظف، وأرجل أقل عددًا تزورني! لكن لا... الذباب يرفض التخلي عنّي، وكأنه جاء لحراستي.
نقلة نوعية؟ بل ترقية للذبابة!
السويد خلصنا من الثلج، وجتنا معاه جيوش الذباب.. الصيف هنا مزيج من الفرح والمعاناة، ما نلحق نفرح بالشمس والدفا... إلا ويظهر لنا المرافق الشخصي الطائر يشاركنا اللحظة. ويقضي على المتعة ويسرق البهجة.
في الصالون يشاركني لحظات الضحك والفرح.
في المكتب يكتب معي الإيميلات والمقالات.
في غرفة النوم يشاركني لحظات الاسترخاء والهدوء، وهات يا حبيبي... حفلة ليلية كاملة: طنين في أذني، دغدغة في رجولي، وجولات تفتيشية على وجهي.
أثناء النوم (العهد الليلي المقدس).. أكون قد استسلمت أخيرًا لتلك اللحظة الثمينة التي تنغلق فيها العينان، وتبدأ الأحلام بالظهور.. وفجأة..
ززززززززز... في أذني! أصفع الهواء وكأنني أشارك في بطولة كاراتيه دولية ضد خصم غير مرئي. تهرب الذبابة، ثم تعود بكل ثقة، ترفرف وتطنّ وكأنها تسخر بوقاحة: «أوه، هل خلّصت استعراضك يا بروس لي؟».
ثم تُقرّر أن تهبط على أنفي، فقط لتذكِّرني أنني لا أملك أي سلطة حتى على وجهي وأنا نائمة.
الغريب أن هذه الذبابة لا تموت، صفعتها، رششتها، ناشدتها... لكنها تقف من جديد وكأنها تملك بوليصة تأمين ضد الغدر البشري.
أحيانًا أشك أن لديها رتبة عسكرية، وأنها مكلَّفة رسميًا بمراقبتي من «الأمن الذبابي».
يا جماعة، لو أفكر قليلاً ... الذبابة أوفى من بعض البشر.. تلقاها معك في الزعل والضحك، حين شرب القهوة والماء، في النوم والصحيان.. حتى لو سكَّرت الشبابيك والأبواب، تلقى ثغرة وتدخل... كأنها تقول: «لا تشيل هم الوحدة.. أنا معك، للصبح..»
يمكن أكون ظلمتها. ربما هي ليست مجرد ذبابة عادية، بل «ملاك حارس» جاي يذكرني أن الحياة ما تخلو من منغّصات.
الطنين في أذني هو صوت الدنيا وهي تقول: «ارتاح شوية.. بس لا تنس إني موجودة».
وقفتها على وجهي هي صفعة القدر الساخرة: «لا تعتقد أنك تملك السيطرة حتى على تفاصيلك الصغيرة».
الذبابة في النهاية ليست إزعاجًا فقط، بل درسًا حيًا: السكون وهم، والراحة الكاملة غير موجودة. وربما وجودها هو أفضل تدريب مجاني على الصبر وضبط النفس وكمان الصحيان بدري والرياضة.. فأين نشتكي؟ ومن ينصفنا؟
العيش مع ذبابة... تجربة إنسانية ساخرة تستحق أن تُوثَّق في مسلسل رمضاني بعنوان: - رفيقة اليوم... ملحمة الصيف.. بنت -أبوها- رحمة الله على والديَّ وعلى أمواتنا أجمعين..
** **
- كاتبة يمنية مقيمة بالسويد