فجأة تزيل الممرضة النظارة والكمام من على وجهه وتضع شاشة هاتفه أمامه ليرمش ثم يلتفت يمينا ويسارا ثم تعيدهما إلى مكانهما، هذا هو حال أطباء وزارة الصحة عندنا في الكويت في غرف العمليات اليومية.
صدقوني إنني أشعر بالخجل وأنا أكتب عن هذا الموضوع، لأن تعامل ديوان الخدمة المدنية ووزارة الصحة مع موضوع ضبط الحضور والالتزام عند كل الموظفين الإداريين والفنيين والأطباء في كل أقسام وإدارات الوزارة، بالطريقة نفسها والأسلوب نفسه.
هل يعقل أن يتساوى موظف اداري بسيط في استقبال المستشفى مع دكتور جراح يمارس أدق العمليات الجراحية في الرأس أو الأعصاب.. حتى يثبت حضوره والتزامه الدوام الرسمي، من خلال ثلاث بصمات؟!
اشتكى اطباء في مستشفيات الكويت من صعوبة الحصول على النت بعض الأحيان في المكان المتواجدين فيه، سواء غرفة العمليات وبعض عيادات المراجعين، حتى أن أحد الأطباء أعرب عن خجله من أن يقاطع المريض الذي أمامه ليطلب منه الاذن للخروج إلى الممر لعمل إجراءات البصمة في وقتها.
المشكلة ليست في الفكرة، بل في الجمود الإداري الذي يساوي بين طبيب يجري عملية معقدة تمتد لساعات، وموظف يوقع ورقة او يرد على مكالمة.
السادة ديوان الخدمة المدنية
معالي وزير الصحة
لا أحد يعارض التطوير ولا استخدام التكنولوجيا في ضبط الأداء،
لكن المطلوب في هذه الحالة أن تكون التكنولوجيا خادمة للعقل لا حاكمة له.. وان تتيح التمييز بين الفئات الوظيفية، وربط التقييم المهني بالنتائج لا بالوقت.
دكتور ينجح في عملية دقيقة جداً ويعيد للمريض القدرة على رمش عينه، يُحاسب لانه لم يرمش عينه ليتم إجراءات التبصيم ثلاث مرات باليوم.
الإدارة الحديثة بالدول المتطورة.. تقيس الاداء بشكل عام في جودة الانتاجية والمخرجات والالتزام، فما بالك بالعمل الطبي، الذي يجب ان تُبني المعايير فيه على مؤشرات الأداء وجودة الرعاية ونجاح العلاج وسرعة الاستجابة، لا على حضور شكلي إلى مقر العمل أو عدد مرات البصمة.
من غير المنطقي أن يُحاسب الطبيب الذي أنقذ حياة مريض، لأنه نسي أن «يرمش عينه» أمام تطبيق.. لا يفرّق بين حالة طبية عاجلة واستراحة موظف.
الفكرة من نظام البصمة هي تحقيق العدالة والانضباط، لكن العدالة ايضا ان تُستثنى بعض الفئات الطبية (الجراحين، أطباء الطوارئ، المناوبين) من البصمة التقليدية، لان طبيعة عملهم ورسالتهم الانسانية مختلفتان كليا عن بقية الموظفين بوزارة الصحة.
الاعداد الضخمة لموظفي وزارة الصحة ملزمة بالبقاء الى موعد التبصيم الثالث من دون مرونة في الانصراف، مما حوّل الشوارع المحيطة والمواقف والطرق المجاورة إلى نقاط اختناق يومي.. مزعج ومتعب.
* * *
في النظام السابق لمتابعة الحضور بوزارة الصحة، كانت هناك نماذج طوارئ موقّعة مسبقًا ومصرّح باستخدامها عند الضرورة في العطل الرسمية وغير الرسمية، لمن يضطر من الاطباء مغادرة البلاد لأي طارئ، مما يتيح اتخاذ القرار فورًا من قبل الشخص المسؤول وتوثيقه لاحقًا، حفاظًا على سرعة الاستجابة
وتُدرج بروتوكولات للطوارئ، فيما اليوم وحسب خطوات برنامج سهل، يضطر الدكتور الانتظار لحين موافقة المسؤول ووصول otp له، والمشكلة دائماً في عطلة نهاية الاسبوع.. حيث لا يمكن للدكتور او اي موظف اخر المغادرة العاجلة لاي طارئ.. الا بعد موافقة المسؤول.
إقبال الأحمد