: آخر تحديث

داء النفوس

3
3
3

سمر المقرن

الحسد ليس مجرد شعورٍ عابر، بل داءٌ يسكن النفوس حين تغيب عنها فضيلة الرضا. هو نارٌ خفيةٌ تشتعل في صدر صاحبها، تأكل راحته قبل أن تمسّ أحدًا سواه، وتجعله يعيش في صراعٍ دائمٍ بين ما يملك وما يتمنّى أن يملك.

الحاسد يعيش عمره في معركةٍ مع الأقدار، يرى النعمة في غيره نقصًا في نصيبه، وينسى أن الله يقسّم الأرزاق بحكمةٍ لا تدركها العيون المرهقة بالحسد. كلّ نجاحٍ عند غيره يُوجعه، وكلّ ابتسامةٍ يراها تُذكّره بعجزه عن الفرح. فيغدو أسيرًا لنظراته، يطارد الناس في خياله، ويغفل أن المرض الحقيقي يسكنه هو.

المحسود قد يتأذّى للحظة، لكن الحاسد يتأذّى عمرًا. فالمحسود يجد سكينته في يقينه ودعائه، أما الحاسد فيبيت على نارٍ من الغيرة لا تهدأ. يظن أن الحسد يُنقص من غيره، وهو في الحقيقة يُنقص من نفسه، من صفائها ومن علاقتها بخالقها.

الحسد يُغلق أبواب البركة، ويعمي البصيرة عن رؤية الجميل في الحياة. من يحسد، لا يرى إلا ما يفتقده، فيحرم نفسه من الشكر، ومن لذة القناعة، ومن هدوء القلب الذي لا يُشترى.

وليس دواء هذا الداء إلا في أن يعود الإنسان إلى قلبه، فينظّفه من المقارنة، ويربّيه على الامتنان. أن يدعو لغيره بالبركة كما يتمنى لنفسه، وأن يوقن أن النور الذي في الآخرين لا يُطفئ نوره، بل يذكّره أن الضوء متاح للجميع.

فالرضا ليس ضعفًا، بل نجاة. ومن شُفي من الحسد، فقد شُفي من داءٍ يُتعب الأرواح ويُطفئ العمر ببطء.

فليحمِ الله قلوبنا من داء النفوس، وليملأها بحب الخير كما يملأ الصباح بالضياء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد