محمد الرميحي
بعد أن حصل الدكتور عمر ياغي مع آخرين على جائزة نوبل في الكيمياء، مع الأسف، انصب الحديث على أي دولة من الدول ينتمي إليها الدكتور، بدلاً من الحديث الأعمق للنظر في ملف (العرب وجائزة نوبل)!
حتى هذا العام حصل تسعة من العرب فقط على جائزة نوبل في فروعها المختلفة: السلام، والأدب، والكيمياء والطب. والأغلبية الساحقة من العلماء كانت البيئة الأكاديمية أو البحثية أو المؤسسة التي اعتمدوا عليها في الحصول على الجائزة هي خارج الوطن العربي، وهي العامل الحاسم في نيلهم الجائزة، أما المؤسسات المحلية والعربية البحثية فلم يكن لها دور.
جائزة نوبل للسلام حصل عليها أنور السادات وياسر عرفات ومحمد البرادعي وتوكل كرمان، (وهي جوائز سياسية بامتياز)، وجائزة الأدب حصل عليها نجيب محفوظ، وهي جوائز تشريفية، أما الجوائز في العلوم البحتة والتطبيقية فقد حصل عليها أحمد زويل، إلياس جيمس خوري، بيتر مدور، وأخيراً الدكتور عمر ياغي.
الحقيقة المؤلمة أنه لم يفز أي عالم عربي بجائزة نوبل في العلوم البحتة أو تطبيقية من خلال عملهم في المؤسسات البحثية العربية، كل من فاز بتلك الجائزة في هذا المجال عملوا ضمن جامعات أو مختبرات في الولايات المتحدة أو أوروبا.
البيئة البحثية الغربية هي التي وفرت التمويل والاستقرار والحرية الفكرية اللازمة لإنجاز الاكتشافات الكبرى، التي عمل عليها هؤلاء العلماء. ضعف البيئة البحثية العربية، وضعف التمويل والاستدامة، فمتوسط الإنفاق العربي على البحث العلمي لا يتجاوز 1% من الناتج المحلي الإجمالي، بينما يتراوح في الدول المتقدمة بين 3 و4%، كما أن التمويل العربي غالباً قصير الأمد، مرتبط بموازنات سنوية دون استراتيجية طويلة المدى لتعظيم البحث العلمي.
النقد الموجه إلى الجامعات العربية أنها تعتمد على التدريس لا البحث، وأول ما يضحى به في ميزانيات الجامعات العربية هو الميزانية المخصصة للبحث العلمي، كما أن غياب الاستقلالية الأكاديمية للمؤسسات العلمية يجعل الباحث تابعاً لا قائداً، المؤسف أن معايير الترقية في كثير من الجامعات العربية تركز على عدد الأوراق المنشورة، وفي أغلبها أفكار معادة، وليست مبتكرة.
غياب ثقافة السؤال وحرية النقاش، وهي أساس كل ابتكار علمي، وليس من المحتمل أن يكون هناك بحث علمي موازٍ أو مقارب لما هو موجود في الدول الغربية المتقدمة، والنظام التعليمي العربي في مراحله المختلفة يعلّم الحفظ، ولا يعلم التفكير النقدي، كما أن غياب الانفتاح على المدارس الفكرية العالمية وحرية التساؤل خارج إطار المتعارف عليه ثقافياً، يجعل من يعمل في البحث العلمي العربي في عزلة فكرية، وبعيداً عن منهجية البحث العلمي.
يمكن التغلب على بعض تلك الصعوبات إذا فكرنا في الشراكات الدولية الفعلية في المجال العلمي، فمراكز الأبحاث العربية هي محلية أو بالكثير إقليمية، وليست مراكز أبحاث مشتركة مع دول ومجتمعات أخرى.
الحديث الذي دار في الأيام القليلة الأخيرة حول حصول الدكتور ياغي على الجائزة في الكيمياء يشير إلى أننا نحتاج إلى إصلاح جذري في التعليم، وإدخال مناهج التفكير العلمي والمنطقي منذ المرحلة الأولى الابتدائية حتى يتعود الطالب على التفكير الحر بمنهجية حديثة أيضاً، تدريب المعلمين على تنمية الحس النقدي عند الطلاب بدلاً من الاعتماد على الحفظ والتسميع، أما الأهم فهو احتضان الكفاءات المهاجرة بإغراءات مالية وبحثية، وإنشاء مختبرات وفرق عمل وإعطاء هذه الفرق حريات تشجع العلماء العرب في الخارج على الإشراف المشترك على طلاب الدراسات العليا داخل الوطن العربي.
القطاع الخاص عليه مسؤولية في إطلاق صناديق استثمار في البحث التكنولوجي والعلوم التطبيقية والبحتة، كأن يكون هناك صندوق بحثي لتطوير الذكاء الاصطناعي عربياً.
الإعلام العربي أيضاً مطالب بأن يلعب دوره، فالإعلام ليس ترفاً بل هو الذي يصنع احترام المجتمع للعلم، لذلك فالمجلات العلمية المحكمة باللغة العربية أو الإنجليزية تصدر عن مؤسسات عربية معترف بها تسهم في تجسيد الحلم العربي إلى الواقع.