: آخر تحديث

ما الذي تغيّر؟

2
2
2

في اللحظات الأخيرة، قبل أن يأمر يحيى السنوار بشن هجومه الانتحاري واليائس على إسرائيل، صباح 7–10–2023، ربما كان يسأل نفسه: هل من المجدي التضحية بحياته وأرواح المقاتلين معه، واحتمال مقتل مئة أو مئتي ألف فلسطيني، بين طفل ورجل وامرأة، لتكون لأمته فرصة لأن ينال 9 ملايين فلسطيني حقوقهم، ويستعيدوا كرامتهم، ويعيشوا حياة كريمة، في وطن مستقل؟ أم الأفضل إنقاذ كل هذه الأرواح، وإنقاذ كل ما سيقع من دمار، والقبول بالبقاء أحياء، تحت ظل الاحتلال، كمواطنين من الدرجة العاشرة، أو مشردين في كل بقاع الأرض، ونسيان الوطن والانتماء والبيت والبيارة إلى الأبد؟

الإجابة أصبحت جزءاً من التاريخ، بحلوه، وبكل مراراته، فقد علم أن الوطن لن يستعاد بقرارات دولية، بل بدماء تسفك وأرواح تفقد.

* * *

تغيّرت أشياء كثيرة في الشرق الأوسط، بعد السابع من أكتوبر. وكان طرفا العلاقة الأكثر تأثراً. فالكارثة بالنسبة للفلسطينيين كانت، ولا تزال، مهولة، لم تكن متخيلة حتى في ذهن أكثر الناس تشاؤماً، أما بالنسبة لإسرائيل فخسائرها لم تقتصر على فقد آلاف القتلى والجرحى، بل في ما تسبب به الهجوم من زعزعة لشعورها بالأمان، وضياع فرصة تقبّل العالم لها، تدريجياً، وتزعزع حتمية وجودها كدولة ذات أغلبية يهودية، وقوة مالية وعسكرية لا تقهر، ومعرفة تكنولوجية لا تضاهى، يصعب على عشرات الدول، وبالذات الغربية، الاستغناء عنها. وترى مجلة الفورين بوليسي أن الأمر سيستغرق سنواتٍ لمعرفة عمق تأثير هجوم 7 أكتوبر في كينونة إسرائيل.

أما روجر كوهن، الحائز جائزة بوليتزر، ومراسل «النيويورك تايمز» لأكثر من ثلاثين عاماً، فكتب: بعد عامين من هجوم «حماس»، تعيش إسرائيل حالة من التمزّق. فقد أودت الحرب في غزة بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، لكنها لم تُفرج عن جميع الرهائن لدى «حماس»، ولا تزال الصدمة قائمة. فربما قضت حركة الاستيطان على طموحات الفلسطينيين في إقامة دولة (لكنها أثرت كذلك في خطط وطموحات إسرائيل في التوسع خارج حدودها الحالية، من خلال الاستيلاء، بسهولة، على أراضي دول أخرى)، حيث تركت الحرب، التي لا تنتهي، إسرائيل منقسمة، وأكثر عزلة من ذي قبل.

وفي زيارته الأخيرة لها، وجد بلداً غارقاً في الشك. كان ذلك قبل بدء المفاوضات الأخيرة لإطلاق سراح الرهائن، وربما إنهاء الحرب في نهاية المطاف. ومنذ بدأت تلك المحادثات، ازدادت حدة التوتر في البلاد. فحرب إسرائيل ليست فقط مع «حماس»، بل وأيضًا مع نفسها، فقد أصبحت أطول حروبها تمثّل تحديًا لصورتها، وفهمها لنفسها. لقد قتل جيشها أكثر من 67 ألف فلسطيني، ومُلحقًا دمارًا هائلًا في غزة، لدرجة أن الكثيرين أجمعوا على أنها «إبادة جماعية»، وهذا يزيد من مشاعر معاداة السامية، في كل أنحاء العالم، تقريباً.

النزوح والسعي وراء وطن آمن أصبحا جزءًا لا يتجزأ من المصائر المتشابكة للإسرائيليين والفلسطينيين، تتنافس فيهما محرقة الهولوكوست مع نكبة عام 1948، التي طُرد فيها نحو 750 ألف فلسطيني من بيوتهم وأراضيهم، خلال حرب «تأسيس» إسرائيل. كما دفع هجوم 7 أكتوبر، والحرب الانتقامية في غزة، الجانبين إلى مزيد من العداء.

يتحدث الجيران العرب عن إسرائيل «كخطر كبير»، بعد إقدام نتانياهو على قطع رأس «حزب الله» في لبنان، وتوجيه ضربة للبرنامج النووي الإيراني. لكن في إسرائيل لا يوجد شعور يُذكر بالنصر، بل وجدت إسرائيل أن أضعف عدو لها، «حماس»، هو الأكثر عنادًا، فـ«حماس» فكرة، ومعروف أن هزيمة «فكرة» ليست بالأمر السهل. وقد ترك هذا الجهد البلاد في حيرة من أمرها، بشأن ما إذا كانت قد ضلت طريقها ومُثلها العليا.

بعد كل هذا، يأتي من عرف عنه مواقفه الشديدة السلبية من المأساة، بعد صمت طال سنتين، ليصف ما جرى في غزة بأنه «إبادة جماعية»، ثم ليتراجع عن اعترافه، ويقول إن خسائر إسرائيل، المادية من الحرب، كانت «دفترية»!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد