: آخر تحديث

لماذا خسرت النسوية والذكورية الحرب؟

2
2
2

محمد ناصر العطوان

سأبدأ هذا المقال بعنوان المقال نفسه، لماذا خسرت النسوية والذكورية الحرب التي بدأوها منذ أكثر من 100 سنة؟ قديماً «أيام زمان» عندما كان الراجل سيد البيت، والمرأة ملكة المطبخ، من أيام أجدادنا، تخيلوا معي كيف كانت الأدوار واضحة... الرجل هو «المعيل» والمرأة هي «المتمنية» (اتمنى عيال وزوج).

لكن مع الثورات الصناعية والثقافية، انقلب العالم رأساً على عقب. ظهرت «النسوية» من أجل النضال لحقوق المرأة، وظهرت «الذكورية» من أجل الدفاع عن حقوق الرجل! النتيجة... معركة لا منتصر فيها. الجميع خاسر! ومن أجل أن نفهم ماذا حدث، تعال وخذ بيدي لنهاية المقال.

بدأت النسوية كحركة تاريخية عظيمة تنادي بحق التصويت، الحق في العمل، التعليم، واستقلال المرأة المادي. هذه مكاسب لا يمكن إنكارها (احنا معاكِ يا سيمون دي بوفوار!).

ولكن أيضاً هنا بدأ الوهم، حيث بعض التيارات النسوية الحديثة حولت الحركة من «مطالبة بالمساواة» إلى «حرب على الذكورة». فبدلاً من التركيز على الحقوق الحقيقية (مثل سد فجوة الأجور أو مكافحة التحرش)، ركزت على «تفكيك النظام البطريركي» و«الذكورة السامة» بشكل عام.

فماذا كانت النتيجة؟

وصلنا لمرحلة الـ «نسوية قليلة الحياء» حيث أصبح وضع الماكياج أو ارتداء البيكيني «فعلاً مقاوماً»، بينما المشاكل الحقيقية مثل عنف الشريك أو التمييز في سوق العمل لا تحظى بالاهتمام الإعلامي نفسه.

فحسب دراسة لـ UN Women (2023)، النساء في كثير من المجتمعات مازلن يعانين من العنف الاقتصادي والجسدي، بينما الخطاب النسوي أصبح يركز على قضايا مثل «اللغة الذكورية» أو «تمثيل المرأة في الأفلام» - وهي قضايا مهمة لكنها لا تحل المشاكل الجذرية.

لذلك فقد وصلت اليوم إلى الطريق المسدود حيث أصبحت النسوية في أعين كثير من النساء (خصوصاً في المجتمعات التقليدية) حركة «عدوانية» أو «غربية» لا تمثل احتياجاتهن الحقيقية، حتى بعض المنظرات مثل كاميل باغيلا انتقدن تحول النسوية إلى «أيديولوجيا ضحية» بدلاً من أن تكون حركة تحرر حقيقية.

ولكن على الجانب الآخر من النهر، فهناك يقف انصار «وهم الذكورية» الذين انتقلوا من الدفاع عن الحقوق إلى كراهية النساء كردّة فعل على النسوية المتطرفة، فكانت حركات «الذكورية» مثل Men,s Rights Movements، والتي بدأت بهدف معقول وهو التركيز على قضايا مثل ارتفاع معدلات انتحار الرجال وتحيز المحاكم في قضايا الحضانة وتوقعات المجتمع من الرجل بأن يكون «مُعيلاً قوياً لا يعبر عن مشاعره».

لكن كما أن الوهم غرس جذوره في النسوية فقد فعل الشيء نفسه مع الذكورية حيث بعض التيارات حولت الحركة من «مطالبة بإنصاف الرجل» إلى «كراهية النساء»، فظهرت جماعات مثل «الانعزاليين» Incels وMGTOW الذين يرون أن النساء «كائنات انتهازية» يجب تجنبها!

فماذا كانت النتيجة؟ حسب دراسة في Journal of Gender Studies (2022) فإن كثيراً من الرجال يشعرون بالضياع بين توقعات المجتمع التقليدية (كن رجلاً) ومتطلبات المساواة الحديثة (كن حساساً)، وأصبحت الذكورية _ للأسف - في نظر المجتمع حركة «عدائية» بدلاً من أن تكون صوتاً لعرض مشاكل الرجال الحقيقية.

فوصل الرجال أيضاً إلى طريق مسدود، ولم يجد نفعاً وجود قوة الإطفاء ولا إدارة المرور لتنظيم ما وصل إليه الحال من حرب جندرية لا طائل منها.

فالنسوية بعضها أصبح يركز على «تفكيك المفاهيم» بدلاً من «حل المشاكل»، والذكورية بعضها أصبح يركز على «كره النساء» بدلاً من «تحسين أوضاع الرجال».

السؤال المهم في هذا المقال هو، كيف نخرج من هذا المأزق؟ أعتقد أن المطلوب هو ثورة تفكير جديدة، تركيز على القضايا المشتركة مثل تحسين الصحة النفسية للجنسين، تقليل ضغوط العمل، تشارك المسؤوليات الأسرية، والابتعاد عن الخطاب العدائي لا «نسوية ضد الرجال» ولا «ذكورية ضد النساء» واعتماد نهج التكامل حيث الرجل والمرأة متكاملان بطبيعتهما، وليسا في حالة صراع دائم، والاستناد إلى بيانات حقيقية كما تفعل منظمات مثل World Economic Forum في تقارير الفجوة الجندرية، أو اليونيسكو في برامج تمكين المرأة والتعليم.

هذه حرب لا يوجد فيها رابح، النسوية والذكورية إذا استمرا في خطاب الصراع، سيربح الطرفان، الخسارة! فالمستقبل هو في «الجندرية المتوازنة» حيث المرأة لا تضحي بأنوثتها لتثبت قوتها... والرجل لا يخجل من حساسيته ليثبت رجولته.

لذلك، فيمكن لدولة الكويت أن تكون نموذجاً للتوازن هذا من خلال دعم سياسات المساواة الواقعية (مثل إجازة الأبوة، تكافؤ الفرص) وبرامج التوعية التي تستهدف الشباب من الجنسين، وخطاب إعلامي يبني ولا يهدم...

والآن عزيزي القارئ، يمكن لك أن تترك يدي، فقد بدأت أشعر بالتعرّق... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد