: آخر تحديث

المؤشر الاجتماعي الوطني: أداة رؤية 2030 لقياس التقدم المجتمعي

4
4
3

تسير المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو تحقيق رؤية 2030، محققة إنجازات بارزة في تعزيز جودة الحياة والتمكين المجتمعي. ففي عام 2024، نظّم برنامج جودة الحياة فعاليات ثقافية وترفيهية، محققًا زيادة في المشاركة عززت السعادة والانتماء ورأس المال الاجتماعي.

ويأتي المقال باقتراح إنشاء مؤشر اجتماعي وطني بالتعاون مع المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء» والهيئة العامة للإحصاء، كخطوة أساسية لضمان قياس تقدّم المجتمع بشكل دقيق يعكس الخصوصية الثقافية ومتوافق مع المعايير الدولية.

السؤال الأساسي يكمن في كيفية قياس هذا التقدم بدقة. لا يكفي رصد الإنفاق أو عدد المبادرات، بل يتطلب الأمر ترجمة ذلك إلى أثر اجتماعي ملموس، يقاس عبر مؤشر وطني يتكامل مع جهود الهيئة العامة للإحصاء ومركز أداء، ويتواءم مع المؤشرات الدولية لتوفير صورة دقيقة على الصعيد المحلي والدولي.

مع إنجازات رؤية 2030 البارزة في تعزيز جودة الحياة والتحولات الاجتماعية، تبرز الحاجة الملحة إلى مؤشر اجتماعي وطني يقدم رؤية متكاملة للتقدم، مرتكزًا على الرفاهية، الشمولية، والتلاحم المجتمعي.

ونشيد بالمؤشرات الاجتماعية الحالية التي تستخدمها الهيئة العامة للإحصاء ومركز أداء، مثل قياس رضا المواطنين والمشاركة الثقافية في برنامج جودة الحياة، أو مؤشرات التعليم والصحة والبطالة، أو الأداء الحكومي المرتبط برؤية 2030، إلا أنها قد لا تكون مدمجة تحت مظلة واحدة أو تعكس الخصوصية الثقافية السعودية (مثل الكرم والضيافة) بشكل كامل، ولا تقيس رضا المستفيدين متكاملاً. وعليه، يمثل تطوير مؤشر اجتماعي وطني موحَّد الذي يدمج هذه المؤشرات ويوائمها مع السياق الثقافي المحلي خطوة إستراتيجية لتعزيز موثوقية القياس.

في المقابل، تعتمد المملكة على مؤشرات دولية مثل مؤشر التنمية البشرية (HDI) أو مؤشر جيني (GINI)، والتي تفتقر إلى التخصيص المحلي، مما يحد من فعاليتها في توجيه السياسات الاجتماعية. هنا يأتي دور المؤشر الاجتماعي الوطني كأداة إستراتيجية ضرورية، يُصمم بالتعاون بين مركز أداء والهيئة العامة للإحصاء، ليوفر قياسًا دقيقًا يدعم تخصيص الموارد وتعزيز الشراكات، ويحول الإنجازات إلى أثر مجتمعي ملموس.

على سبيل المثال، وعلى عكس مؤشر التنمية البشرية (HDI) الذي يركز على متوسطات عامة للصحة والتعليم والدخل والتي قد تغفل خصوصيات ثقافية مثل قيم الكرم والضيافة السعودية، يدمج المؤشر الاجتماعي الوطني هذه القيم كجزء من محور الرفاهية الاجتماعية.

يمكن قياس قيم الكرم والضيافة من خلال استبيانات ترصد سلوكيات مثل استضافة المناسبات الاجتماعية، دعم المجتمع المحلي، أو المشاركة في فعاليات وطنية كبرى مثل موسم الرياض، وغيرها من الأنشطة الثقافية والتراثية التي تعكس الهوية السعودية وتعزز رأس المال الاجتماعي، وهو مفهوم سوسيولوجي يقيس قوة العلاقات الاجتماعية والثقة المتبادلة في المجتمع.

وبذلك يصبح المؤشر الوطني أكثر شمولية في رصد التحولات الاجتماعية مقارنة بالمؤشرات الدولية التي تركز غالبًا على الجوانب الاقتصادية فقط.

كذلك، فإن مؤشر جيني (GINI) لقياس التفاوت الاقتصادي يقتصر على البعد المالي فقط، ولا يعكس التلاحم المجتمعي، أي قوة العلاقات الاجتماعية والثقة المتبادلة، أو رضا المستفيدين عن الخدمات الحكومية، وهي عناصر حيوية في السياق السعودي. بينما يعتمد مؤشر التنمية البشرية (HDI) على بيانات عالمية موحّدة تشمل الصحة والتعليم والدخل، وقد يغفل الخصوصيات الثقافية والاجتماعية المحلية.

يستند المؤشر الوطني المقترح إلى استبيانات محلية ترصد مستويات المشاركة في الفعاليات الثقافية والوطنية، مثل الاحتفالات بيوم التأسيس والترابط الأسري، مما يثري صورة التقدم المجتمعي في المملكة. هذا النهج يجمع بين الدقة الإحصائية والخصوصية الوطنية، مع الحفاظ على إمكانية المقارنة الدولية، ويدعم اتخاذ قرارات مستندة إلى بيانات محلية دقيقة.

يبرز دور مركز أداء في إعداد المؤشر الوطني، بينما توفر الهيئة العامة للإحصاء البيانات والإشراف الإحصائي.

ويقيس المؤشر أيضًا رضا المستفيدين عن المؤسسات لضمان مواءمته مع المعايير الدولية، مما يجعل المؤشر أداة شاملة وموثوقة لتقييم التقدم الاجتماعي.

ويجمع المؤشر مؤشرات كمية ونوعية ضمن أربعة محاور رئيسية تشمل: الرفاهية الاجتماعية، الشمولية، التلاحم المجتمعي، والوصول إلى الخدمات الأساسية، مع التركيز على تحسين التغطية في المناطق الطرفية ومعالجة التحديات اللوجستية. كما يتضمن المؤشر تعريفًا واضحًا لكل مصطلح عند أول ذكر له لضمان دقة الاستخدام.

يوفر المؤشر إطارًا إستراتيجيًا لدعم اتخاذ القرارات وتوجيه الإنفاق الاجتماعي بدقة، ويمكّن الجهات الحكومية مثل وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية من تقييم برامج الضمان الاجتماعي وتحسين الرفاهية.

كما يدعم القطاع غير الربحي والجمعيات الخيرية في تصميم مبادرات مستدامة ماليًا، ويعزِّز الشراكات مع القطاع الخاص عبر بيانات دقيقة لاحتياجات المجتمع وللمسؤولية المجتمعية. على الصعيد الدولي، يقيس مؤشر OECD أحد عشر بُعدًا مثل الصحة والتعليم، لكنه إطار عام. أما المؤشر السعودي، فيدمج هذه الأبعاد مع مؤشرات محلية نوعية وبالتكامل مع أدوات القياس التي يطورها مركز أداء، مما يضمن مواءمة دولية دون فقدان الهوية الوطنية.

تشمل الخطوات المستقبلية كمقترح تشكيل لجنة وطنية تحت إشراف الهيئة العامة للإحصاء وبالتعاون مع مركز أداء لتصميم المؤشر، مع إشراك ممثلين من وزارة الموارد البشرية والقطاع غير الربحي والقطاع الخاص في المشاورات. ويقترح مركز أداء مسؤولًا عن إعداد المؤشر، بينما توفر الهيئة البيانات والإشراف الإحصائي. كما يتم تطوير منصة رقمية مدعومة بالذكاء الاصطناعي لتجميع البيانات بشكل فوري وتقديم تقارير تفاعلية، يليها إطلاق مرحلة تجريبية في الرياض ومنطقة طرفية مع تقييم دوري لضمان الدقة. ويُدمج المؤشر في لوحات المتابعة الحكومية ليصبح أداة عملية لتخصيص الموارد وتقييم الأثر.

يشكل المؤشر الاجتماعي الوطني أداة إستراتيجية لبناء مجتمع مزدهر، معزِّزًا إنجازات رؤية 2030. وبفضل شمولية الفئات والمناطق، يعزز المؤشر الاستدامة عبر متابعة دورية بإشراف الهيئة العامة للإحصاء ومع المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة «أداء»، بما يضمن توجيه السياسات نحو تنمية شاملة ومستدامة.

كما يحقق توافقًا مع المعايير والمؤشرات الدولية، ويعزِّز مكانة المملكة كنموذج عالمي في قياس التقدم المجتمعي.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد