محمد الرميحي
كانت المصادفة أن أسافر عائداً إلى الكويت من إحدى الدول الأوروبية يوم 20 سبتمبر الحالي، في ذلك اليوم تم اختراق نظام التسجيل والمناولة في عدد من المطارات في أوروبا، وكان يوماً صعباً استمر طابور التسجيل والمناولة يدوياً لأربع ساعات تقريباً، أما الطائرة فقد تأخرت خمس ساعات من موعد الإقلاع، يوم سفر صعب ذكرني بالكتاب الذي نشرناه في عالم المعرفة في ديسمبر 2018 مترجماً عن الإنجليزية لمؤلفه فرد كلاين، وكان بعنوان «المنطقة المظلمة في الحرب السيبرانية» غني بالمعلومات، وهو متاح على النت.
هذا الكتاب يتحدث عن شغف الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، الذي كان رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية في معظم ثمانينيات القرن الماضي، بمشاهدة الأفلام، إذ كان في إحدى الليالي يشاهد أحد الأفلام والفيلم بعنوان «لعبة الحرب»، يتحدث الفيلم عن شاب يخترق بطريق الخطأ نظاماً عسكرياً أمريكياً، ويصل إلى نظام التحكم الأمريكي في الصواريخ، التي تحمل القنابل النووية.
في صباح اليوم التالي سرد رونالد ريغان على مجلس وزرائه القصة، وكان مرتعباً منها، وسأل الجميع: هل يعرف أحد منكم ماذا يعني هذا الفيلم ومدى واقعيته؟ فاستأذن رئيس الأركان بأنه سوف يستعلم عن الأمر ويعود من جديد إلى الرئيس، بعد أيام عاد رئيس الأركان إلى الرئيس وقال له: «سيدي الرئيس ما هو في الواقع أكثر خطورة مما ظهر في الفيلم!».
واستقر الأمر بعد النقاش أن تقوم الحكومة الأمريكية بفحص الاحتمالات المختلفة للاختراق، وتقرر أن يطلب من ثلاثة أشخاص من الهاكرز المعروفين بقدراتهم الفنية أن يقوموا بمحاولة اختراق النظام العسكري الأمريكي، باستخدام ما هو متوفر من تقنيات في السوق المفتوحة، وأُعطي للفريق أسبوع للمحاولة، بعد ثلاثة أيام انتبه أحد الجنرالات في هاواي، وهي منطقة إنذار متقدمة، أن هناك أوامر صادرة له باستخدام القنابل الذرية، بسبب هجوم وشيك من الأعداء، كان الأمر قد عرف لدى مجموعة من الجنرالات مسبقاً أن هناك تجربة سوف تتم، وأحد الجنرالات القليلين الذين أخبروا مسبقاً هو الذي كان مسؤولاً في هاواي فلم يستجب للأمر!
يروي الكتاب مجموعة من القصص حول هشاشة الاعتماد على الأنظمة التقنية الحديثة، وأنها بسهولة يمكن أن تخترق لسبب أو لآخر، سواء من مجموعة هواة، أو مجموعات عصابية منظمة، أو حتى من دول ضد دول أخرى، وأصبح مفهوم الحرب السيبرانية متداولاً. الكتاب صدر قبل ربع قرن تقريباً، وقد تطورت الرقمنة اليوم لتصبح إما أداة ابتزاز وإما آلة حرب!
العالم يستفيد من التقنية في أمور كثيرة، منها التعليم والطبابة، والمعاملات الاقتصادية، ولكن تلك التقنية في الوقت نفسه تحمل مخاطر كبيرة، سواء للأشخاص أو للجماعات أو حتى للدول. زحمة المطارات هي فقط شكل واحد من الأخطار، ويقول لنا البعض، إنه في يوم قريب سوف تشن حروب لتعطيل معامل الكهرباء، وتحلية المياه، وأنظمة السفر والأنظمة الصحية عن بعد!
فكثير من الأشخاص يعانون من تزييف في بطاقاتهم الائتمانية، وأصبح الأمر شائعاً، وبعضهم غير قادر على التمييز، بينما هو صحيح وما هو عملية سرقة منظمة في هذا العالم الرقمي، أما المؤسسات التي تعتمد على هذه التقنيات فإنها أيضاً عرضة للاختراق، وكلما تقدمت موانع الاختراق تقدمت عصابات الاختراق على الوصول لما تريد! إنه سباق متعاظم، يدفع المواطن العادي ثمنه الباهظ! بعد أيام تم القبض على المتسبب في لندن، شخص واحد، سبب كل تلك الفوضى والخسائر، عالم يتحكم فيه مخربون.