: آخر تحديث

اللحاف الأمريكي.. وخراب العراق

3
2
1

للرئيس حسني مبارك مقولة شهيرة: «المتغطي بأمريكا.. عريان»! وللسياسي الداهية هنري كيسنغر مقولة: «أنت في ورطة إن كنت عدواً لأمريكا، وفي ورطة أكبر إن كنت صديقاً لها».

قيام الطائرات الإسرائيلية بالاعتداء على سيادة وأمن قطر، خير دليل على صحة المقولة، على الرغم من كل ما يربط الدولتين من معاهدات وأحلاف وقواعد عسكرية!

أمريكا دولة مخيفة حجماً وقدرة وسرعة في التحرك بسبب الصلاحيات الواسعة لرئيسها. لكن أمريكا قبل ذلك دولة مؤسسات، ونجحت أطراف عدة في اختراق البعض منها. فقوة أمريكا، وضعفها أيضاً، يكمنان في ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية فيها كل أربع سنوات، وأصبح من الصعب جداً أن يفوز بها المرشح الأفضل، بل الأكثر قدرة على جمع المال لحملته، والأكثر كرماً في وعوده الانتخابية لجماعات الضغط، من إسرائيلية وغيرها إلى شركات الصناعات الحربية، مروراً بأصحاب الثروات الخيالية.. إلخ.

كان الصهاينة، الذين اختاروا الهجرة لأمريكا، خاصة أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، أول من اكتشف نقاط الضعف في المؤسسة الأمريكية، ومدى قوة وسائل الإعلام، وكيفية السيطرة على البيت الأبيض، والكابيتول، وغيرها من المؤسسات الحكومية، ونجحوا مع الوقت في استغلالها بطريقة بارعة لمصلحتهم، فقد امتلكوا المال والنفوذ والذكاء، وتحلوا بالصبر، وخططوا بسرية ودقة، وخلقوا أيباك (اللوبي الصهيوني)، الذي نجح في شراء أغلبية وسائل الإعلام وقوى تشكيل الرأي العام، من صحف وقنوات تلفزيونية ومسلسلات وأفلام سينمائية، بطريقة غير مباشرة، والأهم شراء أغلبية رجال السياسة والنواب، ونجحوا، خلال أقل من نصف قرن، في الإمساك بأغلبية مفاصل الولايات المتحدة، وجعلها تابعة لإسرائيل، وكان جيفري أبستين، صاحب السيرة القذرة، أحد أخطر أدواتهم.

لم يكن غريباً بالتالي قيام ترامب، الرئيس الأمريكي الأكثر إثارة للجدل، بتغيير اسم وزارة الدفاع لـ150عاماً، حتى الحرب العالمية الثانية، لوزارة الحرب، وهذا يبين ما ستصبح عليه الأمور مستقبلاً.

خاضت أمريكا، بعد استقلالها، وفي أول 150 عاماً، حروباً ضد بريطانيا وأسبانيا والمكسيك والفلبين، بخلاف مجازرها ضد أهالي البلاد الأصليين. كما شاركت في حربين عالميتين، وأسقطت قنبلتين نوويتين على اليابان، وحاربت الصين في كوريا، وحاربت غواتيمالا، 1954، وأندونيسيا 1958، وكوبا 1959، والكونغو 1964، ولاوس وفيتنام 1961، وكمبوديا 1969، وغرينادا 1983، ولبنان 1983، 1984، وسوريا، وليبيا 1986 و2011، والسلفادور 1980، ونيكاراغوا 1980، وبنما 1989، والعراق في حربي الخليج: 1991 و2003، والصومال، والبوسنة، والسودان، 1998، وأفغانستان 2001، ويوغوسلافيا 1999، اليمن، وسوريا، وأخيراً إيران 2025، بخلاف عشرات التدخلات العسكرية السرية، وقلب أنظمة الحكم في دول عدة، مثل الانقلاب على مصدق في إيران، وعلى سلفادور أليندي في تشيلي. ويقال، على سبيل النكتّة: إن الدولة الوحيدة التي لم يقع فيها أي انقلاب، هي أمريكا، والسبب: عدم وجود سفارة لأمريكا فيها.

* * *

أغلبية ما ورد أعلاه صحيح، لكن الصحيح أيضاً أن حروب أمريكا لم تكن جميعها سيئة، فقد كانت تدخلاتها رحمة لمئات ملايين البشر، سواء في الحربين العالميتين أو في الحرب الكورية وغيرها، كما كانت مواقفها تتقلب تبعاً لآراء ومزاج و«أخلاقية» رئيسها، صاحب النفوذ الأقوى. فقد اتسمت حرب تحرير الكويت، كمثال، والتي وقعت في عهد بوش الأب، بعدالة نسبية عالية، ولا يبدو، بعد 35 عاماً، أن شيئاً استجد خلاف ذلك. فقد كانت الكويت حليفة لأمريكا، قبل التحرير، وبقيت كذلك، ولم تدفع دولاراً لأمريكا مقابل تحريرها، غير نصيبها من تكاليف الحرب، التي بلغت 62 ملياراً (تضعها مصادر بحدود 100 مليار)، دفعت منها الكويت 16 ملياراً فقط. وانسحبت كامل قوات التحالف بعد التحرير مباشرة، رافضة دخول العراق. لكن نجد الصورة، بعد 12 عاماً، مختلفة تماماً، فقد عادت القوات الأمريكية، في عهد بوش الابن، لتدخل العراق وتحكمه وتتحكّم به، وتنهي استقراره، ربما للأبد، والمأساة لا تزال مستمرة.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد