: آخر تحديث

هل ينهي هجوم الدوحة علاقة الخليج بواشنطن؟

1
0
1

بعد أن تعرضتِ السعوديةُ لهجوم بقيق، ارتفعت أصواتٌ تطالب بإنهاء التحالف السعودي - الأميركي. والمشهد ذاتُه تكرَّر بعد الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، حيث خرجت دعواتٌ مشابهةٌ تطلب من الحكومة القطرية مراجعة علاقتِها مع واشنطن. لكن في الحالتين، الرياض والدوحة فعلتا العكسَ تماماً، واختارتا ما هو صائبٌ: تعميق العلاقة مع الولايات المتحدة وتوثيقها.

السؤال: لماذا تختار الدولُ الخليجية السيرَ في هذا الاتجاه؟ ولماذا يطالبها البعضُ بالانفصال عن واشنطن؟

السبب من وجهة نظر الخليجيين واضحٌ. العلاقة مع أميركا، الدولة الأقوى عسكرياً واقتصادياً، هي علاقة استراتيجية لا يمكن التفريطُ فيها، حتى لو وقعت أخطاء أو خلافات في بعض الملفات. هذا هو بالضبط ما يفعله حلفاء واشنطن الآخرون في أوروبا أو كوريا الجنوبية واليابان وغيرها.

الأوروبيون - رغم خلافاتهم العميقة مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في ملف أوكرانيا، وتقاربه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي أثار مخاوفهم - لم يقطعوا علاقتهم مع الولايات المتحدة. على العكس، سعوا إلى تطويرها، لأنهم يدركون أن اقتصادهم وأمنهم مرتبطان بها. فأوروبا، رغم قوتها الاقتصادية والعسكرية، ما زالت تعتمد على المظلة الأميركية الأمنية، وحلف «الناتو» من دون القيادة الأميركية لن يكونَ سوى هيكل بلا أنياب ولا مخالب.

كوريا الجنوبية مثالٌ آخر. رسائلُ ترمب الغرامية إلى كيم جونغ أون أثارت غضبَ سيول، خصوصاً أنَّ صواريخ بيونغ يانغ النووية موجهة أولاً وأساساً إليها. ومع ذلك، ورغم تهديدات ترمب بسحب القوات الأميركية، لم تندفع كوريا الجنوبية خلف الأدبيات الشعبوية مثل «المتغطي بأميركا عريان»، بل فعلت مثلما فعلت الرياض والدوحة: عمّقت التحالف مع واشنطن.

اليابان مثال ثالث. خلافات حادة نشبت بين طوكيو وواشنطن حول قضايا تجارية وملف القواعد العسكرية الأميركية، لكن ذلك لم يضرب أساس العلاقة الاستراتيجية. فاليابان تدرك أن أمنها القومي مرتبط بالتحالف مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الصينية والكورية الشمالية. العلاقات الهندية - الأميركية متوعكة هذه الأيام، لكن الحلف بينهما عميق واستراتيجي.

حتى الخلاف الذي نشب بين دول الخليج وإدارة الرئيس أوباما - وبخاصة بسبب سياسته تجاه إيران - لم يؤدِّ إلى انهيار العلاقة؛ بل سرعان ما عادت للتحسن قبل أن يغادر البيت الأبيض. وقبل ذلك، عارضت السعودية بشدة غزو العراق، لكن العلاقة بين الرياض وواشنطن تجاوزت الخلافات لأهمية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. العلاقة مع الرئيس جو بايدن مرت بظروف عاصفة في البداية، لكنها تحسنت بشكل كبير في نهاية عهده.

العقل السياسي الخليجي يتسم بالواقعية الاستراتيجية، ولا ينجرف وراء الخطابات العاطفية والشعبوية. هذا التحالف أنقذ الكويت من الغزو العراقي، وأسهم في هزيمة تنظيم «القاعدة» والتنظيمات المتطرفة، وما زال يشكل رادعاً استراتيجياً لأي تهديد إقليمي بمنطقة تضع الاقتصاد في سلم أولوياتها.

ولكن، كيف نفسر الدعوات المتكررة على الدول الخليجية بالتخلي عن حليفها الاستراتيجي؟

أولاً: الرغبة في الاستفراد بالمنطقة، فبعض القوى ترى أن تقليص النفوذ الأميركي يتيح لها مجالاً أوسع للهيمنة. وقد رأينا كيف توسع محور الميليشيات مع تراجع التزام الرئيس أوباما في أمن المنطقة وحديثه عن الاتجاه إلى آسيا.

ثانياً: المبالغات حول الجيش العربي، إذ تطرح أحياناً مطالب بإنشاء قوة عسكرية عربية موحدة، لكنها مطالبات نظرية لا تستند إلى قراءة واقعية. الحروب الأهلية تفتك بدول عربية عديدة، وبعضها يعاني من الفشل والتعثر، إضافة إلى الخلافات العميقة حول مفهوم الأمن العربي. حتى الأوروبيون، رغم تفوقهم العسكري وتكاملهم الاقتصادي، لم ينجحوا في تكوين جيش موحد، ولم يفرطوا بعلاقتهم الوثيقة مع واشنطن التي تصاب بالرشح والحمى؛ ولكن لا تموت.

التحالف الخليجي - الأميركي ليس خياراً عاطفياً؛ بل استراتيجية واقعية لحماية الأمن والاستقرار وضمان مصالح اقتصادية كبرى. وبغض النظر عن الأزمات أو الخلافات العابرة، تفرض المصالح الوطنية تعزيز هذا التحالف وعدم التخلي عنه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد