أحمد المغلوث
وضع صاحبنا رواية «ألف ليلة وليلة» بجانبه وراح يمسح بكفه العرق عن وجهه على الرغم من أن المروحة السقفية برواق بيتهم كانت مراوحا وهي تدور تحدث صريراً مبحوحاً كأنها تقول له همساء: ماذا أفعل أنني أقوم بواجبي، ولكن كما تعرف الحرارة اليوم مرتفعة مع رطوبة لعينة، مد ساقية الناحلتين وبان جزء منهما من خلال سرواله «البافته» والذي تبلل من عرق ساقيه، يا الله الله يرحمنا، رددها أكثر من مرة ووالدته بجانبه تسمعه، والتي راحت تعيد ما يقوله حامدة وشاكرة، ثم قالت الحمد لله عندنا «كهرب» ومراوح كيف اللي كانوا عايشين في البادية، والذين كانوا يقيمون في خيام تحت أشعة الشمس مباشرة.. اللهم لك الحمد، نحن في خير ونعمة، أبوك الله يحفظه لما كان يعمل في أرامكو كانوا يسكنون «البرستي»، فنظر إليها مستفسراً ماذا يعني ذلك بيوت ولا صنادق ولا خيام؟ فقالت نوع من البيوت ولكنها مكونة من الجريد وسعف النخيل ومغطاة «بالخيش» وهناك نوع يا ولدي تغطى بالطين المخلوط بالتبن، أما السقف فعادة، كما يقول أبوك فيكون عادة من جذوع النخيل المنشورة لنصفين أو أعمدة «الكندل» وهي تستورد من الهند وتباع عند باعة أدوات البناء بجانب القيصرية، فراح يسأل طيب يا يمه ماذا يفعلون عندما تشتد الحرارة مثل هذه الأيام؟ فقالت بعدما اعتدلت في جلستها واتكأت على تكية الدوشق، وقالت كان الله في عونهم.
كان المقيمون في هذا البرستي يقومون بالتناوب برش الماء على «الخيش» الذي يغطي الجدران من الداخل فسبحان الله هذه العملية تساعد على تخفيف حرارة الجدران، وهذا عمل شبه يومي يقوم به بالتناوب المقيمون فيه كما ذكرت سابقاً خاصة في الفترة المسائية، أما في النهار فهم يعملون في داخل مرافق الشركة، فقاطعها ابنها وهو يقول الحمد لله الحمد لله احنا الآن نعيش في نعمة عندنا مراوح ما عندنا: (خيش يرش) بالماء. فتبسمت والدته وهي رافعة يديها داعية وشاكرة الله على ذلك.
عندها امتدت يده لرواية ألف ليلة وليلة من جديد وراح معاوداً القراءة فيها. تطلعت إليه والدته وقالت: بارك الله فيك يا ولدي كم خلصت من جزء وأنت تقرأ القرآن الكريم؟، فتبسم ابنها وقال لا يا أمي هذا ما هو المصحف، هذه راوية قديمة فيها قصص عديدة من مئات السنين، لكن الحمد لله حافظ كم سورة من القرآن الكريم، فقاطعته والدته وفي عينيها غضب وقالت معاتبة: لا يا ولدي من المفروض أولاً تحفظ كتاب الله أهم من هذه القصص التي تقول عليها، ثم أردفت والعبرة تكاد تخنقها تمنيت لو درست عند المطوعة مدة طويلة علشان أحفظ بعض من سور المصحف لكن الله ما كتب، تزوجت مبكراً مثل كل البنات، والحمد لله أنا أحسن من غيري على الأقل حافظة كم سورة، فقال في هدوء بالمناسبة البارحة، وأنا ببيت خالي كنا نسمع في راديو لندن حديث عن «شكسبير وشهرزاد» وكيف كان متأثراً بالعديد من قصص وحكايات ألف ليلة وليلة بل كثيرون من المسرحيين العرب وظفوا بعضا من أعمالهم من وحي ألف ليلة وليلة.. عندها قامت والدته حاملة ما أعدته من خضار لوجبة الغداء متجهة إلى مطبخ البيت وهي تنظر إليه صامتة.