حمد الحمد
قبل أيام كنت راجعاً من الديرة بسيارتي فسمعت صوت أبيات شعر مغناة تهزني بقوة، عبر «الإف إم»: (طال هجر الحبايب وآعذاب العليل) وقبلها أبيات (الأماكن كلها مشتاقة لك)، أبيات تهزني وأنا أتذكر ابني سليمان، رحمه الله، وغيابه الطويل وهذه حكمة الله، صورته مازالت أمامي في الصالة طوال السنوات، ويأتي بين شهر وآخر في الأحلام، وكأني معه في ديرة ما ونحاول أن نعود لكن لا جوازات سفر حيث فقدت ونبحث عنها.
انتقل سليمان، لرحمة الله في يوم من أيام أكتوبر 2007، وكان ليلتها قد أخرج سيارته من محطة الغسيل ويستعد في اليوم التالي لعيد الفطر، ولكن في الصبح توفي في فراشه إثر هبوط في السكر، وبقيت سيارته في صمت لفترة وكأنها حزينة تنتظره.
أثناء الغزو، كنا في الرياض وكان عمره ست سنوات، وكان يقوم بعمل صاروخ من خشب ويقرر إطلاقه على صدام.
سليمان، رغم مرض السكر قلما كان يشكو، ويبدو أمام الناس كأنه بكامل صحته، لا أعرف لماذا عندما أخذ إجازة القيادة رفض أن يشتري سيارة جديدة إنما مستعملة ويعمل لها إضافات، وكان مغامراً براً وبحراً.
ذات يوم وكان عمره 19 سنة، قال لي إنه سيسافر بطريق البر مع صديق إلى إمارة عجمان، حيث يدرس هناك بعض الأصدقاء، لم أعترض وقدمت له سيارتي لاند كروزر، كون سيارته صغيرة لا تستحمل طريقاً بمسافة أكثر من 1200 كيلومتر، وفي ليلة شتوية وجو ممطر سافر بالسيارة في منتصف الليل وودعته، وطوال الطريق وأنا أتواصل معه وكان معه الصديق، حيث كان يخبرني بالمطر والبرد، وكل موقع يصل إليه حتى عبر الأراضي السعودية ودخل الإمارات، ولم أنم إلا عندما أخبرني بوصوله الإمارات، وعجمان بعد مرور ساعات عدة، وأكد لي أنه أمام شقة رفاقه، هنا نمت بعد تعب المتابعة والقلق طوال الليل حتى طلوع الشمس.
بعد أسبوع، عاد وحمدت الله على رجوعه بالطريق ذاتها، وفي جلسة قال لي معتذراً (يبه أنا كذبت عليك!) قلت مستغرباً: (ما فهمت؟)، قال: (أنا ذهبت إلى الإمارات بمفردي ولم يذهب معي صديقي حيث عدل عن السفر في آخر لحظة، لهذا اضطررت أن أسافر بمفردي وأقود السيارة طوال الطريق).
هنا لم أستوعب ما حدث، فهو للمرة الأولى يقود سيارة خارج الكويت ويعبر السعودية وبالليل، ومنطقة لم يصلها من قبل، وأكثر من ألف كيلو ولا خدمة غوغل في ذلك الوقت... فعلاً لم أستوعب، ولكن هذه حالة من مغامراته، رحمه الله.
وكلما أتذكر تلك الحادثة كنت أتمنى لو أخبرني لذهبت معه. ومنذ تلك السنوات كلما أمر شارعاً أو مكاناً مر به، أتذكر كلمات (الأماكن كلها مشتاقة لك)، وفعلاً نحن مشتاقون لك كأسرة، لكن هذه سنة الله في هذه الحياة ولا مرد لنا بما كتب الله. صحيح الفقد صعب يا سليمان، لكن هذه حكمة الله، ولك الرحمة.
ترددت أن أنشر هذا المقال كونه شخصياً بحتاً، لكن فكرته سكنت في رأسي لأيام ولم تخرج وهذا ألم مضاعف، لهذا قد يكون النشر عامل راحة وتعافٍ لي.
لكن للأسف، وأنا أختم المقال فجعت بخبر وفاة عبدالله، ابن صديقنا الأستاذ محمد سعود الحويتان، لهذا أدعو الله أن يرحم عبدالله، ويسكنه فسيح جناته وأن يلهم أهله الصبر والسلوان.
الفقد صعب، لكن أمر الله كتب ولا مرد عن ذلك والله يرحم سليمان وعبدالله.