عبدالعزيز الكندري
«كيف تستطيع أمة أن تصنع مستقبلها وهي في قبضة ماضيها يعصرها عصراً حتى يستنفد كل ذرة من طاقاتها»؟
د. غازي القصيبي.
في البداية، نبارك لأبنائنا وبناتنا خريجي الثانوية ولأولياء الأمور، الذين سهروا الليالي وكانوا يحملون هم أبنائهم والتفكير في مستقبلهم في كل مراحل الحياة ومازالوا، جاءت هذه اللحظة التي ينتظرونها بفارغ الصبر خلال السنوات الماضية من الجد والمثابرة والعمل الدؤوب، والتي تطوي صفحة وتفتح أخرى للمستقبل الرحب والحياة الأوسع التي تنتظرهم.
وفي هذا المقال سنوجه رسالة إلى الخريجين حيث إنهم مقبلون على حياتهم الجامعية واختيار التخصص الذي سيحدّد مستقبلهم، وفي السابق، كان الأمي الذي لا يعرف القراءة والكتابة، ثم تحوّل بعد الألفية للذي لا يجيد استخدام الكمبيوتر والبرامج التي تحتويها الأجهزة، والآن الذي لا يعرف التعامل مع تقنيات الذكاء الاصطناعي ويفهم لغة البرمجة، سيكون قد تخلف كثيراً وسيتم استبداله بمَنْ يُجيد استخدام لغة العصر وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فلا بد من الاستعداد الجيد لهذه المرحلة واختيار التخصص المناسب الذي لديه احتياج في سوق العمل، وكل الأعمال تقريباً سيؤثر عليها الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر، حتى في الطب والاقتصاد والقانون والنشر والتوزيع، لذلك الذي سيكون جاهزاً لهذه المرحلة لن تكون لديه أي مشكلة. ولا ننسى التركيز على المهارات بجانب التخصص الجامعي.
وهذا الكلام هو ليس من باب تخويف الطلاب والناس، ولكن من باب التوعية والانتباه، والذكاء الاصطناعي لن ينتظر أحداً، وإنما سيكون استخدامه طاغياً في السنوات المقبلة، وهو ليس موجة عابرة وإنما واقع ماثل.
إذاً، فنحن نمر بتحولات كبيرة وبقوة وكل خريج يجب أن يكون واعياً لذلك، وكل أسرة مسؤولة عن توجيه أفرادها لاحتياجات المستقبل، وحالياً وفي الدول المتقدمة لا توجد مؤسسة أو شركة تستطيع الاستغناء عن الذكاء الاصطناعي، وبحسب بيانات «PitchBook» والجمعية الوطنية لرأس المال المغامر (NVCA)، استحوذت شركات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على 71 % من إجمالي قيمة صفقات رأس المال المغامر في الولايات المتحدة خلال الربع الأول من العام، مقارنةً بـ46 % خلال الفترة ذاتها من عام 2024. وتمركزت غالبية هذه الاستثمارات في أميركا الشمالية، حيث شكّل القطاع نحو 70.2 % من إجمالي قيمة الصفقات. وعلى الصعيد العالمي، بلغ حجم التمويل المخصص لشركات الذكاء الاصطناعي نحو 73.1 مليار دولار خلال الربع الأول فقط من عام 2025، أي أكثر من نصف القيمة الإجمالية لاستثمارات الذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي بأكمله. وهناك توجه من صناديق دول الخليج بزيادة الاستثمارات في شركات الذكاء الاصطناعي.
ونحن في عصر العلم والمعرفة فيه يتجددان بصورة كبيرة، وهو ليس بالضرورة ما نعنيه تغيير الحقائق العلمية الأساسية، ولكن وجود أبحاث واكتشافات جديدة تساعد في فهم أعمق وأكبر، لذلك لابد من الانتباه للكتب التي تدرس في التخصصات الجامعية بأن تكون حديثة، وعدم العيش بالعلوم القديمة والذكريات، وصدق المرحوم غازي القصيبي، عندما قال «أنا لا أملك إحصائيات ولكني مستعد للمراهنة على أن كتب المستقبل لا تصل إلى واحد في المئة من كتب الماضي: الذكريات، المذكرات، والسير الذاتية، وكتب التاريخ، وكتب البكاء على الأطلال... إلى آخر القائمة».
إخواني الخريجين نتمنى لكم التوفيق في حياتكم المستقبلية واختيار التخصص المناسب لكم، وتذكروا أن تجاهلكم لكل التحوّلات التي تتم الآن لا يؤخرها، ولكن يجعلها أشد وقعاً عليكم في قادم الأيام إذا تم تجاهلها، لذلك وجب التنويه والتنبيه.