: آخر تحديث

"عقيدة بيغن" وتداعيات إيران .. قراءة في التحارب بين تل أبيب وطهران

8
7
6

أمطرت سماء الخليج منذ 13 يونيو الجاري صواريخ باليستيية ومسيرات بالمئات، في مشهد غير مألوف بين طهران وإسرائيل. وأظهرت وسائل الإعلام العالمية الدمار والخراب هنا وهناك.

وبين هذا وذاك نشطت الآلة الإعلامية بين مدافع عن شرعية الدفاع وبين مدافع عن فرضية الهجوم، لكن الحكومة الإسرائليية أعلنت أهدافها من تلك الضربة يوم 13 يونيو، وهي تدمير منصات إطلاق الصواريخ والبرنامج النووي والقضاء على نظام آيات الله الخميني… أي بعد يوم 12 يونيو وتوصية حكماء الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وقبل يوم 15 يونيو المقرر للمفاوضات بعمان بين الولايات المتحدة وإيران حول مشروعها النووي.

اختلطت الأوراق وسط ارتفاع أسعار الذهب والبترول ونتائج سلبية بالبورصات الدولية ومخاوف حول أزمة اقتصادية وهجرات جماعية وشيكة.
كل هذا حد من وتيرة مجاراة الأحداث والتعليق عليها أو تفكيك معادلاتها، أولا لأن الرد الإيراني تبنى “العين بالعين”، أي عند استهداف مختبر أو منشأة يتم الرد بالطريقة نفسها؛ مع تصريحات نارية متبادلة وأخبار عن وساطات دولية لوقف العنف، واجتماع وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وفرنسا مع نظيرهم الإيراني بجنيف السويسرية.

ثانيا، تناسلت سرديات عديدة لشرح أسباب نزول هذه الحرب، بين باحث في تاريخ الفرس واليهود، وباحث في فلسفة عداء النظام الإيراني ورغبته في “تصدير الثورة”، وأياديه الخارجية، سواء في العراق أو سوريا أو لبنبان أو فلسطين أو اليمين، وبين مستحضر ليوم 7 يونيو من سنة 1981، عندما انطلقت ثماني طائرات عسكرية إسرائيلية على الساعة الثالثة زوالا لتدمير حلم الرئيس العراقي صدام حسين بامتلاك السلاح النووي؛ في إطار عملية “بابيلونيا”. وحتى هذا الاسم يحمل تراكما تاريخيا عميقا في تاريخ الشرق الأوسط. وعلى الساعة الثامنة مساء من اليوم نفسه نظم رئيس الحكومة الإسرائلية ميناحيم بيغين مؤتمرا صحافيا جاء فيه: “نعلن عن عقيدة جديدة في الدفاع، لن نسمح بالحصول على الأسلحة النووية لكل الدول العربية، ولن نسمح للعرب بتطوير قدراتهم النووية، سندافع عن المواطنين الإسرائليين في كل وقت وبكل الوسائل المتاحة”، وأضاف: “لن تسمح إسرائيل لكل الدول العدوة في المنطقة بالحصول على الأسلحة النووية…وستتحرك بشكل احتياطي من أجل منع ذلك، ولو بصفة منفردة وباستعمال القوة”.

ومنذ هذا التاريخ أعلنت “عقيدة بيغن”، السياسي اليميني، وهي عقيدة تساعدنا اليوم في قراءة كل ما جرى ويجري وسيجري في منطقة الشرق الأوسط؛ فهي مبرر إسرائيل لضرب إيران بشكل منفرد، ومبرر لانخراط ترامب وتوجيه ضربة تدميرية للمفاعلات النووية الثلاثة بإيران، ما غير معادلات الخسارة والربح في هذه الحرب الجديدة، وخلط أوراق الاقتصاد والمال والتحالفات الجيو-إستراتيجية، وجعل النظام الإيراني في زاوية ضيقة من حيث اختيارات الرد؛ بين إغلاق مضيق هرمز، حيث يمر خمس الطاقة العالمية، وهنا لا بد من التذكير بقوة الأسطول البحري الأمريكي في مقابل تصنيف البحرية الإيرانية في المرتبة 37، وقدرته على إفشال تلغيم المنطقة من طرف البحرية الإيرانية، أو الرد بالهجوم على إحدى القواعد العسكرية الأمريكية بالمنطقة، وهنا يبرز خياران: قواعد تركيا، وهو اختيار عسكري صعب لانتماء تركيا إلى حلف الناتو، الذي يعني الفصل السابع منه أن الهجوم على تركيا هو هجوم على مجموع الأعضاء- وهنا سيأخذ الصراع بعدا قويا يمكن أن يدمر النظام الإيراني- أو قواعد الجوار العربي، أي البحرين أو العراق أو قطر، وهذا ما حصل بالفعل، إذ هوجمت قاعدة أمريكية بالعراق وقاعدة “العديد” القطرية بعد إبلاغ السلطات الأمريكية والقطرية؛ وكأن الأمر كان مجرد “حفظ ماء وجه” النظام الإيراني على مستوى الداخل الإيراني، استعدادا للدخول في مفاوضات السلام ومستقبل المشروع النووي الإيراني.

على أن هذا لا يعني إنهاء لهذا الصراع الإيراني (الفارسي) / الإسرائليي / الغربي، بل هو حلقة جديدة في انتظار تغيير معادلات الداخل الإيراني وتقليم شعارات تصدير الثورة، التي لم تعد مقبولة.

الأكيد أننا سنشهد مرحلة جديدة وتداعيات ما بعد 13 يونيو، سواء على مستوى القضية الفلسطينية وغزة أو على مستوى إعادة صياغة العلاقات مع دول الخليج السنية، خاصة بعد الهجوم على قطر يوم 23 يونيو؛ أو على مستوى علاقات طهران مع تركيا وروسيا والصين وباكستان. أما على الجانب الإسرائلي فستبقى “عقيدة بيغن” هي السائدة في المنطقة حتى إشعار آخر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد