: آخر تحديث

مجتمع حيوي ومبادر

3
3
3

المبادرات التطوعية المجتمعية لها دور في صناعة الوعي وتعزيز التكاتف، وتحقق أهداف الرؤية، كذلك لها انعكاس اقتصادي وتنموي، لأنها مسار استراتيجي يعيد توجيه الطاقة المجتمعية نحو مفاهيم واعية وأكثر ارتباطاً بالاحتياج الحقيقي. من بين هذه النماذج، مبادرة «ثلث الأضحية» التي تحث على تخصيص ثلث الأضحية للفقراء والمحتاجين، وهو أصل شرعي معروف، لكنه في هذا السياق أخذ شكلاً تنظيمياً واجتماعياً مدروساً، اللافت في هذه المبادرة الحراك المجتمعي المتنامي، لأن عدد المستفيدين ارتفع بنسبة 33 %، ووصل إلى 140,798 مستفيداً مقارنةً بـ105,536 في عام 1445 هـ، كذلك كميات اللحوم المتبرع بها ارتفعت إلى 159,825 كلغم مقابل 111,138 كلغم في العام الماضي.

هذه الأرقام تعبّر عن تطور في نمط الوعي المجتمعي تجاه مفهوم العطاء، الذي بات جزءاً من منظومة تنموية تُسهم في تحسين جودة الحياة، فاللحوم المتبرع بها تتحول إلى مورد غذائي فعلي يصل إلى آلاف الأسر، وتُسهم في سد احتياجات قائمة، وتدعم الاستقرار الغذائي للفئات المستفيدة، وتحدّ من الهدر الموسمي الذي يرتبط غالباً بفائض الأضاحي في بعض البيئات.

الجانب الآخر من القيمة يكمن في البُعد التربوي الذي تولّده هذه المبادرة، إذ تشكّل مدخلاً لغرس ثقافة العطاء المنظّم لدى النشء، وتعزز من ارتباط الأجيال الجديدة بالممارسات الإنسانية ذات الأثر الملموس، من خلال مشاركة فعلية في التوزيع، أو المتابعة، أو حتى الإسهام الرمزي، وهنا تتحول الأضحية من شعيرة فردية إلى مساحة جماعية تفاعلية يتشارك فيها الجميع، ويستشعرون من خلالها قيمة المشاركة في الفرح والمسؤولية معاً.

ومثل هذه المبادرات تحرّك قطاعات متعددة في ذات الوقت، بدءاً من المسالخ المعتمدة، مروراً بسلاسل النقل والتخزين، وصولاً إلى الجمعيات الخيرية والجهات أو الأفراد الذين يتولون التوزيع. وهذا التناغم بين الجهات الرسمية والمجتمع المدني يخلق نموذجاً من الحوكمة المجتمعية القادرة على إدارة الموارد الموسمية بكفاءة، وتحويلها إلى منفعة قابلة للقياس والتتبع والتطوير، كذلك جانب التوسع في المبادرة أيضاً يعكس تنامياً في ثقة المجتمع بها، ووعي الأفراد بجدواها، ما يفسر تزايد أعداد المتبرعين عاماً بعد عام.

واليوم، قوة المجتمع في قدرته على تحويل مفاهيم التضامن والعطاء إلى سلوك جماعي منظم، يتكامل فيه الحس الإنساني مع الفعل التنموي، وإذا تجذرت هذه المفاهيم في وعي الناس، تصبح المبادرات امتداداً طبيعياً لروح المجتمع، وتتحول الأفعال التطوعية إلى ركيزة تعيد تعريف العلاقة بين الفرد ومحيطه بما يعكس نضجاً اجتماعياً واقتصادياً يرتقي بالتجربة إلى مزيد من التوازن والوعي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد