: آخر تحديث

عن رفاق لا نعرفهم

8
6
4

تتجاوز علاقتنا مع بعض الكتاب الإعجاب الأدبي. نحبهم مثل الأطفال، ونحزن لهم، ونفرح وننتصر لهم، في أي نزاع شخصي أو مهني، وهم لا يعرفون حتى بوجودنا. أعتقد أن كثيرين من أبناء جيلي، أو مقاربيه، لم يعجبوا بالسيد كامو روائياً فحسب، بل انتموا إليه أيضاً بوصفه ظاهرة إنسانية متعددة الوجوه: رجل أخلاقي يلمع بين أدباء فرنسا والعالم، بل يتقدمهم، وهو من فقراء الجزائر، أمه تعمل شغالة في البيوت، ووالده عامل بسيط، يتدبر أحواله بصعوبة، إلا أنه منح «نوبل» في الأدب عام 1957. ولم يعش بعدها طويلاً، إذ قضى في حادث سيارة.

يسمي بعضنا مفاجآت الحياة «سخريات القدر». عندما نال كامو تكريمه، كان ذلك على روايته «الطاعون». لكن دخله ظل متواضعاً نسبياً. وإذ بالدنيا تكتئب قبل سنوات، عندما ضربتها جائحة كورونا، فكان ما قد تم بيعه من رواية الطاعون 30 مليون نسخة في عام واحد.

واحدة من مئات قصص الأدباء العظام الذين يعيشون فقراء، ويتمتع ورثتهم بالملايين. لائحة طويلة من الأسماء «الأبدية» التي تأخذ حقها من الشهرة والثروة بعد الموت. ندّ كامو وغريمه جان بول سارتر، كان أسعد حظاً، وأكثر تدبيراً. لم يعرف الثراء في حياته، لكنه عاش ميسوراً. وبدل أن يرتفع بدخله عندما نال نوبل، تضاعف عندما رفضها. إلا أن حجم كامو الأدبي ازدهر بعد الوفاة. بعكس ما حدث للتراث السارتري، الذي أحاطت به صراعات من الفوضى، وأحياناً معارك من الابتذال التي أثرت في سمعته بوصفه أحد أبرز فلاسفة الفكر الوجودي.

الناس أحبت كامو وأعجبت بسارتر. والمحبة أكثر دواماً. وكانت حصة العرب من الجدل حول الاثنين ضئيلة نسبياً، لأن الاهتمام بالفلسفة كان ضئيلاً أيضاً، وغلبت عليه المواقف السياسية، وبرزت بضعة أسماء أكثرها من مصر، مثل عبد الرحمن بدوي، دارت حولها النقاشات والدراسات، لا يشكل مجموعها شيئاً من قديم أثينا أو حداثة فرنسا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد