: آخر تحديث

راشد بن عبد الله آل خليفة.. رجل الأمن الأول في البحرين

8
7
7

عبد الله المدني

تحتفل البحرين كل عام في الرابع عشر من ديسمبر بيوم الشرطة، حيث يتجدد في هذا اليوم الولاء للشرعية الخليفية، والتأكيد على قيم الوفاء والعطاء والتضحية والالتزام بصيانة أمن البلاد، وسلامة المواطنين والمقيمين، والتذكير برجالات الأمن الأوائل، الذين أسسوا جهاز الشرطة قبل أكثر من مئة عام، وتضحياتهم في سبيل خلق بيئة آمنة، يستظل بظلها كل مواطن ومقيم.

ولعل من نافلة القول، الإشارة إلى أن الأمن هو عامل محوري من عوامل ازدهار الأوطان ورخائها، إذ لا سبيل للتنمية والبناء والعمل والإنجاز، إلا بتوفر الأمن والسلامة الوطنية. وهذا تحديداً ما انشغلت به القيادة السياسية البحرينية الحكيمة، منذ منتصف القرن التاسع عشر، حينما كانت البلاد تحت الحماية البريطانية. ففي عام 1860، تولدت قناعة لدى المرحوم، الشيخ عيسى بن علي، طيب الله ثراه (حكم من 1869 إلى 1932)، بضرورة إنشاء حرس يتولى حمايته، ويوفر الأمن والاستقرار في ربوع البحرين، فكان أنْ أمر عظمته بتشكيل مجموعات عـُرفت بـ «الفداوية»، للتمركز في المنامة والمحرق وبقية أنحاء البلاد، على رأس كل منها شخص بمسمى «أمير الفداوية». وحينما شرعت البحرين الأخذ بالتنظيمات الإدارية الحديثة في أواخر العقد الثاني من القرن العشرين، وتأسست بلدية المنامة سنة 1919، قامت الأخيرة بتشكيل فصيل مسلح بالبنادق، لتطبيق النظام والقانون، وحراسة الأسواق التجارية والمنشآت الحكومية ليلاً، أطلق عليه «النواطير». وهكذا مثــّل «الفداوية» و«النواطير» النواة الأولى لشرطة البحرين النظامية، التي صدر قانون في 20 يوليو 1920 بإنشائها، على أن تتبع المجلس البلدي.

وقتذاك كان عدد قوات شرطة البحرين لا يتجاوز المئتي فرد، وكان الجل الأعظم منهم من جنسيات غير بحرينية. أما سبب عدم إقبال البحرينيين على الانخراط في سلك الشرطة وقتذاك، فمرده غياب الثقافة الأمنية، وانعدام اللياقة البدنية لديهم من جهة، وانشغال السواد الأعظم منهم بمهنة الغوص وصيد اللؤلؤ من جهة أخرى، ناهيك عن عامل آخر، هو انتشار المخاوف في أوساطهم من احتمال إرسالهم للمشاركة في معارك الحرب العالمية الثانية. غير أنّ الأمر بدأ يتغير تدريجياً، بسبب كساد تجارة اللؤلؤ، خصوصاً أنّ ذلك تزامن مع قيام الحكومة بتحفيز وترغيب المواطنين في الانضمام إلى شرطتها، عبر نشر إعلانات تفيد بحصول كل شرطي على 27 روبية كراتب شهري ثابت، إضافة إلى حصوله مجاناً على بعض المواد التموينية، كالأرز والطحين والسمن والسكر.

تطورت الشرطة البحرينية سريعاً، لجهة مهامها والأعباء الملقاة على عاتقها، وكذلك لجهة تشكيلاتها الإدارية والقيادية. أما لجهة الشخصيات التي تولت قيادتها، فقد تناوب على المنصب الكابتن البريطاني «كامبل»، الذي خلفه مواطنه الكابتن «جيك»، المعار من جيش الهند البريطانية. كما تولى القيادة الميجور «كلايف كيرباتريك ديلي»، الذي شغل منصب المعتمد البريطاني في البحرين من عام 1921 وحتى عام 1926، والكابتن «إل. إس. بارك»، الذي عمل مستشاراً للميجور ديلي، ثم تولى قيادة الشرطة من نوفمبر 1929 وحتى أبريل 1932، وقد أطلق اسمه في تلك الفترة على شارع قريب من مبنى وزارة الداخلية (القلعة) بالمنامة، هو الشارع المعروف حالياً بشارع قاسم المهزع. وكان يحل محل الكابتن بارك أثناء سفره لقضاء إجازاته، مستشار حكومة البحرين البريطاني «سير تشارلز بلغريف»، علماً بأنه بعدما ترك بارك منصبه وغادر البلاد نهائياً في عام 1932، أضاف بلغريف هذا المنصب إلى مناصبه العديدة الأخرى.

وفي عام 1939، تولى قيادة شرطة البحرين، المرحوم الشيخ خليفة بن حمد آل خليفة، الذي قام بالتعاون مع المستشار بلغريف بنقلة تنظيمية وتحديثية نوعية، كان من ثمارها تأسيس فرقة الخيالة، للحفاظ على الأمن على طول سواحل البلاد الشمالية والغربية، إضافة إلى تقديم العروض العسكرية، وإنشاء فرقة موسيقى الشرطة، التي أمتعت الجمهور بأعذب الألحان في الأعياد والمناسبات الوطنية والرياضية. وقد تعززت وتطورت تلك الإصلاحات في حقبة تولى المرحوم الشيخ محمد بن سلمان آل خليفة، رئاسة الشرطة والأمن العام من عام 1961 إلى 1966، حيث استثمر سموه ما تلقاه من علوم شرطية وأمنية حديثة في المملكة المتحدة، في إحداث تقسيمات إدارية جديدة، ووضع التشريعات اللازمة لمكافحة الجريمة، والارتقاء بالأنظمة المرورية.

أما وزارة الداخلية البحرينية، فقد تأسست في عام 1971، في أعقاب إنهاء معاهدات الحماية مع بريطانيا، ونيل البلاد سيادتها الكاملة. وقتها تسلم معالي الشيخ محمد بن خليفة بن حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، الذي كان آنذاك نائباً للمدير العام لإدارة الشرطة والأمن العام، حقيبة الداخلية، فأدراها باقتدار وكفاءة، من 15 ديسمبر 1973، وحتى تقاعده بتاريخ 22 مايو 2004، وهو اليوم الذي أصدر فيه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين، أمراً ملكياً بتعيين معالي الشيخ راشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، وزيراً جديداً للداخلية، ليدخل معاليه تاريخ البحرين، كثاني وزير لجهاز الداخلية الحساس، المكلف بأمن الوطن.

كان ما سبق توطئة للحديث عن معالي الفريق أول ركن، الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، الذي صادف شهر مايو الفائت، مرور 21 عاماً على توليه مهامه، كان خلالها شاهداً على الكثير من المتغيرات والأحداث في تاريخ البحرين الحديث، بل كان في مقدم الرجال الأشاوس الذين حموا أمن البلاد وسلامتها من الفتن والدسائس والمؤامرات والتدخلات الخارجية، فضرب أروع الأمثلة في الوفاء والولاء والعطاء والالتزام، من خلال قرارات حكيمة، ومناقبية رفيعة، وعقلية منفتحة. فقد جعل معاليه من الداخلية، المعنية بإنفاذ القانون والسلامة العامة، خلية نحل، تصل الليل بالنهار، من أجل تحقيق النظام، مستثمراً في ذلك علومه وخبراته ومعارفه المتراكمة، منذ دخوله السلك العسكري في ثمانينيات القرن العشرين. فكان النجاح والتوفيق من نصيب معاليه في كل خطوة وقرار، على الرغم من الأعباء الكثيرة المنوطة بوزارته، والتي تشمل الأمن العام والشرطة والنجدة، المرور، الدفاع المدني، التحقيقات الجنائية، الجنسية والجوازات والإقامة، خفر السواحل، الجرائم الإلكترونية، الشؤون الجمركية، الإسعاف الوطني، الاستخبارات المالية، القوات الخاصة، الشرطة النسائية، مكافحة المخدرات، إدارة السجون، مراكز الإصلاح والتأهيل، وغيرها.

ولد معاليه بفريج الشيوخ في مدينة المحرق سنة 1954، ابنا للشيخ عبد الله بن أحمد بن محمد آل خليفة، أحد أحفاد المرحوم الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، طيب الله ثراه، حاكم البحرين العاشر خلال الفترة من عام 1932، وحتى وفاته، رحمه الله، في فبراير 1942. وأنهى مراحل تعليمه النظامي في البحرين بتفوق، حيث كان طالباً مواظباً ومجتهداً ومنخرطاً في العديد من الأنشطة المدرسية واللاصفية، ومنها مشاركته لفريق شباب المحرق في لعب كرة القدم. ومنذ تلك السنوات المبكرة من عمره، تولد لديه شغف بالعمل العسكري. ولإشباع هذا الشغف، التحق، بعد تخرجه في مدرسة الهداية الخليفية (أول وأقدم مدارس البنين في البحرين)، بالكلية العسكرية في دولة الكويت، التي تخرج فيها بتفوق، ليلتحق على أثره بقوة دفاع البحرين. وإبان عمله في الأخيرة، أرسل للمشاركة في عدد من الدورات التأسيسية والمتقدمة في العلوم العسكرية، والتكتيكات الحربية، والخطط القتالية، في كل من المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المتحدة، فأبلى في جميعها بلاء حسناً، ولأن شغف معاليه بالعلم والمعرفة كان شغفاً دائماً ومستمراً، فقد عزز حصيلته العلمية بالحصول على درجة الماجستير في العلوم العسكرية من كلية القيادة والأركان في المملكة الأردنية الهاشمية، الأمر الذي أهّله في عام 1982 لشغل منصب قائد الدروع الملكية في قوة دفاع البحرين، تحت قيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، آنذاك. وإبان شغله لهذا المنصب العسكري، ساهم في تطوير الدروع الملكية، وأحدث فيها نقلة نوعية. ومن هذا المنصب انطلق معاليه، ليصبح في عام 1996 مساعداً لرئيس الأركان للعمليات بقوة دفاع البحرين. ولم يمضِ سوى خمس سنوات على ذلك، إلا وصدر أمر أميري في الأول من أكتوبر سنة 2001، بترقية معاليه من رتبة عميد ركن، إلى رتبة لواء ركن، بالإضافة إلى تعيينه رئيساً لهيئة أركان قوة الدفاع. وبحكم منصبه هذا، راح يسهم في المشروعات الأساسية لتطوير أسلحة ووحدات وأفرع وأنظمة قوة الدفاع، كما راح يوطد أواصر وروابط التعاون العسكري مع جيوش الدول الشقيقة والصديقة، ويشرف أو يترأس مشاريع، مثل مشروع إنشاء كلية الشيخ عيسى العسكرية الملكية (افتتحت في عام 1998)، لسد حاجة البلاد من الضباط الأكفاء المسلحين بالمعارف العسكرية الحديثة، ومثل مشروع اتفاقية الدفاع المشترك لمجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهكذا، نرى أن معالي الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، كان أحد التلامذة النجباء لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، في قوة الدفاع، وأحد رفاق جلالته في السلاح. لذا، لم يكن غريباً أن يضع جلالته كامل ثقته في معاليه في 22 مايو 2004، حينما اختاره ليكون حارساً لأمن الوطن، وساهراً على سلامته، من خلال تكليفه بحمل حقيبة الداخلية، مع ترقيته من رتبة لواء ركن، إلى رتبة فريق ركن. وفي 31 ديسمبر 2004، صدر أمر ملكي برقم 69 لسنة 2004، قضى بترقية معاليه من رتبة فريق ركن، إلى رتبة فريق أول ركن.

ومنذ أن استلم معاليه حقيبة الداخلية، توالت المشروعات الشرطية والأمنية الهادفة لخير البلاد وسلامتها. فمن إنشاء جهاز شرطة المجتمع في عام 2005، كشريكة لقوات الأمن العام في التوعية الأمنية، ومكافحة بعض الظواهر السلبية في المجتمع، كالهروب من المدارس، والتسول والتشرد، وإعاقة الحركة المرورية، وجنوح الأحداث وانحرافهم، إلى إطلاق المشروع الحضاري للعقوبات البديلة والسجون المفتوحة، إلى تدشين تطبيقي «حكومتي» و«المفتاح الإلكتروني المطور»، لحصول المواطن والمقيم على 41 خدمة حكومية بطريقة مبتكرة وآمنة وسهلة وسريعة، فإلى مبادرة «بحريننا» كخطة وطنية هادفة لتعزيز الانتماء الوطني، وترسيخ قيم المواطنة، من خلال عدة مسارات، وعدد من الحملات والبرامج والتشريعات.

ناهيك عن الحملة الوطنية الناجحة التي أدارتها وزارة الداخلية البحرينية باقتدار وكفاءة لمكافحة جائحة «كورونا»، من خلال تكثيف عمليات التوعية والإرشاد، والتعقيم والتطهير، وتدابير التباعد ومنع الاختلاط، ومثلها كذلك الحملات المتتابعة والمستمرة لمكافحة المخدرات، وضبط مهربيها، وتنظيف المجتمع من سمومها وآثارها المدمرة.

انتشرت أخبار جهود معاليه، وجهود وزارته الموقرة إلى خارج الحدود، فنالت الاستحسان والتقدير العربي والدولي، بدليل حصول معاليه خلال الدورة 37 لمجلس وزراء الداخلية العرب، المنعقدة في تونس في مارس 2020، على جائزة ووسام الأمير نايف بن عبد العزيز للأمن العربي (جائزة تمنح للشخصيات القيادية الأمنية صاحبة الأدوار المتميزة والفعالة)، وذلك بناء على اقتراح الرئيس الفخري للمجلس، ورئيس هيئة أمناء الجائزة، وزير الداخلية السعودي، سمو الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف بن عبد العزيز آل سعود. إلى ذلك، تم تكريم معاليه في عام 2017، من قبل الاتحاد الدولي للرياضة الشرطية، تقديراً لجهوده في دعم الرياضة الشرطية، ومساهمة البحرين الفعالة في أنشطة الاتحاد الدولي. كما تم تكريمه في ديسمبر سنة 2018، بحصوله على جائزة شخصية عام 2018، من المنظمة الدولية لمكافحة العنف والإدمان (DARE)، تقديراً لما تحقق من نجاحات في برنامج «معاً لمكافحة العنف والإدمان». وفي فبراير عام 2025، حصلت وزارة الداخلية البحرينية، تحت قيادة معاليه، على جائزة أفضل بطولة تشالنجر للتنس في آسيا والمحيط الهادي لعام 2024، والتي استضافتها وزارة الداخلية بمملكة البحرين.

ونختتم بالإشارة إلى النجل الأكبر لمعالي الفريق أول ركن، الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة، وهو معالي الشيخ عبد الله بن راشد بن عبد الله آل خليفة، الذي يشغل منذ عام 2017، منصب سفير مملكة البحرين لدى الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأنه تاسع سفير للبحرين في واشنطن، منذ تبادل السفراء في عامي 1974 و1976، من بعد عبد العزيز بوعلي، وغازي محمد القصيبي، والشيخ عبد الرحمن بن فارس آل خليفة، والدكتور محمد عبد الغفار عبد الله، والشيخ خليفة بن علي آل خليفة، والدكتور ناصر البلوشي، والسيدة هدى عزرا نونو، والشيخ عبد الله بن محمد آل خليفة، على التوالي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد