ليس أقسى من الشعور بالذنب سوى الشعور بالندم. وقد تجمع لي القليل من الأول، والكثير الوفير من هذا الأخير. 31 مايو (أيار) كان اليوم العالمي لمحاربة التدخين، ويقتضي الواجب والضمير أن أدلي بشهادتي، أو إفادتي في هذه الحملة العالمية.
توقفت عن التدخين بعد 50 عاماً تقريباً. وكانت السيجارة في أيامنا علامة الرجولة والأناقة. وكان «أبطال» الأفلام يظهرون في الملصقات الترويجية وهم يدخنون، أو ينفخون، أو يعرضون الغليون، ومرة أخرى، عذراً على السجع.
كل ما حولنا كان سيجارة: الشاعر علامته السيجارة المتدلية أبداً من شفتيه الغليظتين. والفنان كانت سيجارته تتدلى من طرف فمه وعمق رئتيه. والمكان كان مليئاً بالدخان، والسعال، وغلاظة الدم.
ثم ظهرت الحقائق:
السيجارة مرض وآفة وقاتل ورائحة كريهة. وبدأت الحملة عليها وعلى مدخنيها تنبه الضحايا. وكان التدخين مسموحاً في قاعة جانبية مغلقة، فأصبح ممنوعاً حتى في سباق الخيل، أو سباق السيارات، أو سباق الدراجات.
في أي مكان في العالم، المدخن منبوذ، ومزعج. وإذا ذهبت إلى الطبيب لألم في ساعدك الأيسر، يسألك: هل دخنت في زمانك، أو هل مررت بجانب مقهى يؤمه مدخنون؟ أو هل صافحت مؤخراً رجلاً تراوده أحلام فيها سيجارة، أو سيجار، أو سيجارلو؟
أصبحت السيجارة في أنحاء العالم من المكاره، وأصبحت تتمنى لمن تحب، الشفاء من إدمان الضرر. كم كنت سعيداً ومطمئناً وممتناً عندما كبر ابني في عالم يعي النزعة الانتحارية في التدخين. تولت المدرسة، ثم الجامعة، بالعلم، إقناعه بما كان جدي يقوله بالبساطة: السيجارة تحرق صحتك وفلوسك.
أصبحت السيجارة في عالمنا شيئاً مرذولاً في توافق شامل. أغنياء وفقراء. انتهت الأساطير حول إلهامها الشعراء والكتّاب، وأصبحت عيباً صحياً واجتماعياً، ومظهراً من مظاهر التخلف.