الإقناع لا الإجبار، يعد ركيزة الخطاب السياسي، والإعلامي، فمحاولة فرض الإقناع بحجج ضعيفة، لا تقود إلى صواب الرأي، وصحة الموقف، ولا الإجبار على سماع خطاب إعلامي وديبلوماسي يفتقر إلى مهارات الخطابة، يقود إلى نتائج مثمرة، بل النتيجة الحتمية خسارة سياسية! جلس وفد الكويت إلى جنيف إلى مائدة مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ضمن الدورة الـ 49 للاستعراض الدوري الشامل، وكانت جلسة حافلة بالمفاجآت، فالكلمات كانت تفتقد مهارات توجيه الخطاب من دون تلاوة النص المكتوب! غلب، للأسف، الأسلوب التقليدي أو الجامد، على الخطاب الكويتي، ونصوصه، والمبالغة في السردية التاريخية، وعدم الخروج من دائرة الإقناع بالحجة الضعيفة، أو بالأحرى الحجة المثيرة لشفقة الاستفهام، والاستماع، حين تم إهمال عناصر، ومقومات الخطاب المؤثر، كنظرات العيون، ولغة الجسد! يمكن الجزم إن وزارة الخارجية تتابع ما ينشر في العالم عن حقوق الإنسان في الكويت، وما يثار من استفهامات، وملاحظات حول حرية الرأي، والهوية الوطنية، لكن يبدو أن الوزارة لم تتبصر في القراءة، والتحليل، ولم تحضر مسبقا لخطاب غير تقليدي! لكي أكون ناقلاً محايداً في نقل الرأي الآخر الذي وصلني من مجاميع أكاديمية، ومتخصصين، وعاملين في مجال حقوق الإنسان بالخارج، لا بد من تلخيص الآراء، والملاحظات؛ بعدم المهنية، والتناقضات، وغياب الإدراك لطبيعة الحضور الأجنبي في الاجتماع، واهتماماته، وثقافاته. لقد جانب الخطاب الكويتي الصواب السياسي، والإعلامي، في التطوع في شرح تفاصيل سحب الجناسي بموجب "قرارات إدارية"، وليس "مراسيم"، وإثارة التساؤل المشروع؛ ماذا فعلت الحكومة حيال كل ذلك من الناحية القانونية، والسياسية؟ وبصرف النظر عن الظروف، والأسباب السياسية لتلك المراحل الماضية، فالسؤال الأهم؛ هل التطوع بالتفاصيل يضر الهدف المنشود أم يفيده، ويدعم الحجة السياسية أم يفقدها قيمتها، خصوصا حين تكون الصورة ضبابية عن المتسبب، ومصدر التعقيدات، أي الذي سهل الخطأ "الإداري"؟ مثلا، هل تحفظت إدارة الفتوى والتشريع على "القرارات الإدارية" التي طالت الجنسية، وهل اعترضت الأمانة العامة لمجلس الوزراء، على القرارات؟ لا نعلم، ولا العالم المهتم يعلم! من ناحية إعلامية وسياسية، لكل قضية أسباب، واسانيد، ودوافع؛ لذا جاز الاستفهام عن مدى حصافة سرد تفاصيل الخطأ "الإداري" من دون شرح العقوبات، لكي تكون الحجة السياسية ذات صدى إيجابي، وقيمة دولية مشروعة! أما عن التعليم المجاني، فقد كان من الأجدر التركيز على شرح آلية تحديث المناهج، وتطويرها، للتصدي للغلو الديني، والإرهاب الفكري، بدلا من سردية تاريخ التعليم المجاني في الكويت المعروف في العالم، وقبل انهيار المنظومة الشيوعية! لذا، جاز التذكير بمخاطبة وزارة الداخلية لوزارة التربية بشأن خلية "طلبة ثانوية"، التي وقعت في فخ منظمة إرهابية، وهو خبر رسمي، وليس إشاعة! أما كلمة الكويت عن "البدون"، فقد غابت عنها الحجة الموضوعية، بشأن الأسباب التي جعلت من كرة الثلج قنبلة سياسية وقانونية، تفتقد التبرير، والتفسير، والاستيعاب! لم تكن الاجتهادات الكويتية موفّقة، ولم تكن محاولات الإقناع بعاطفة كلاما إنشائيا، وتلاوة نصوص مكتوبة، جهد يمكن الثناء عليه، فالخطاب الكويتي غابت عنه عناصر ومهارات توجيه الخطاب السياسي المؤثر، والتواصل الفعّال، والإيماءات، ونبرات الصوت المعبّرة! أما عن الاجماع الدولي على تقرير الكويت، فنشر التوصيات، والملاحظات الدولية، والتعهدات الكويتية -إن وجدت- يعكس صورة أفضل للإجماع الدولي على التقرير، فالمعروف أن هناك إجراءات دولية منهجية، وغير عشوائية في مثل هذه المناسبات حتى لو كانت التوصيات غير ملزمة للكويت. للأسف، وضعت وزارة الخارجية طاقات شابة واعدة في موقف لا تحسد عليه، فقد بدا واضحاً عدم التحضير، والتدريب المسبق، ومراجعة سياسية للكلمات، وتقييم مهارات الإقناع، والخطابة، والمواءمة السياسية بين نصوص الكلمات مع محاور الاجتماع، لكي يكون الخطاب الإعلامي مؤثراً سياسياً.
المفاجآت الكويتية في جنيف!
مواضيع ذات صلة